تلوح في الأفق هدنة تجارية جديدة بين الولايات المتحدة والصين، تهدف إلى تجميد الرسوم الجمركية المُتبادلة واستعادة جزء من الثقة المفقودة في الأسواق العالمية. الخطوة، وإن بدت تقنية في ظاهرها، تعكس محاولة لإعادة ضبط إيقاع التجارة الدولية بعد سنوات من الاضطراب الذي أصاب سلاسل التوريد والاستثمارات الصناعية في أكبر اقتصادين بالعالم.
تتجه الأنظار إلى الأسواق العالمية التي تنفسّت الصُّعداء مؤقتاً، مدفوعة بآمال عودة الاستقرار بعد أشهر من التوتر. تأجيل الرسوم الجمركية منح الأسواق قدراً من الطمأنينة، لكنه أبقى جذور الخلاف قائمة تنتظر لحظة الانفجار التالية. وفي ظل هذا المناخ المُعلّق بين التفاؤل والحذر، تراجع الذهب مقابل ارتفاع الدولار، في إشارة إلى تحوّل مزاج المستثمرين نحو تفاؤل محسوب.
الأسواق تتنفس الصُّعداء
انعكست الأنباء الإيجابية سريعاً على مؤشرات الأسهم في “وول ستريت” وآسيا، فيما صعد النفط وتراجع الذهب إلى مستويات 4000 دولار للأونصة، بعد أن لامس ذروته عند 4400 دولاراً، في دلالة على تحسّن معنويات المستثمرين. كما ارتفع الدولار أمام الين والفرنك السويسري، وهما ملاذان آمنان تقليديان في أوقات التوتر. ويرى محللون أن هذه الارتدادة تعكس آمالاً حذرة بعودة الاستقرار إلى التجارة الدولية، لكن دون أوهام كبيرة حول تحول جذري في العلاقة بين واشنطن وبكين.
الصين حذرة وترامب متفائل
أعلن ترامب أن المرحلة الأولى من الاتفاق تمضي بشكل ممتاز، مشيراً إلى رغبته في إنهاء الحرب التجارية “بشروط عادلة ومتوازنة”. أما بكين فتبنّت لهجة أكثر تحفظاً، مُعتبرة أن التفاهمالحالي لا يُنهي الخلافات بل يؤسس لبناء ثقة متبادلة. وبحسب محللين فإن الصين تسعى إلى تهدئة تكتيكية لتجنب ضغوط إضافية في ظل تباطؤ نموّها، فيما يراهن ترامب على مكسب سياسي قبل الانتخابات المقبلة.
قطاع الطاقة كان من أبرز المستفيدين من الأنباء الإيجابية؛ فقد ارتفع سعر خام برنت بأكثر من 2%، مدعوماً بتوقعات تحسّن الطلب العالمي على النفط. كما صعدت أسهم شركات التعدين وسط تفاؤل بشأن تعافي الطلب الصيني على النحاس والحديد والألمنيوم. لكن بعض الخبراء حذروا من أن الارتداد الحالي قد يكون مؤقتاً إذا فشلت المفاوضات في ترجمة الوعود إلى التزامات مكتوبة ومحددة زمنياً.
توازن هش في الاقتصاد العالم
يرى اقتصاديون في مؤسسات استثمارية دولية، أن الهدنة التجارية بين واشنطن وبكين تمثل انتقالاً نحو مقاربة أكثر براغماتية في إدارة الخلافات الاقتصادية، دون أن تمس جوهر العلاقة المأزومة بين القوتين. فالتنافس لم يعد محصوراً في التعرفة الجمركية أو الميزان التجاري، بل تمدّد إلى ميادين التكنولوجيا وسلاسل الإمداد والطاقة، حيث يتقاطع الهدف الاقتصادي بالإستراتيجي على نحو متزايد.
الاتفاق المبدئي القائم يشي بتحول من منطق المواجهة المباشرة إلى أسلوب إدارة النزاع عبر المصالح المتبادلة، غير أن هذا التحول يظل هشّاً ومشروطاً بمدى التزام الطرفين بالتهدئة. ويُحذر البعض من المبالغة في التفاؤل، معتبرين أن الهدنة الراهنة أقرب إلى استراحة تفاوضية منها إلى تسوية حقيقية.
وفي حال نجحت واشنطن وبكين في تثبيت هذا الإطار المبدئي ضمن اتفاق دائم، فقد يشهد عام 2026 بوادر انتعاش تدريجي في ثقة المستثمرين وتراجعاً في مخاطر الركود العالمي. أما إذا تعثرت المفاوضات مجدداً، فالعالم مهدّد بجولة جديدة من عدم اليقين تُعيد إلى الأذهان فصول حرب الرسوم الأولى، فهل يتقن الاقتصاد العالمي فنّ إدارة هشاشته قبل الانفجار القادم؟















