يواجه العالم الحر اليوم خطرين رئيسيين. كتاب مهم* صدر هذا الخريف يكشف التهديد المزدوج المتمثل في الإسلاموية والترامبية اللتين تضغطان معاً على الديمقراطيات الغربية. فهل يمكن محاربة الإسلاموية بالاعتماد على ترامب وحلفائه الأوروبيين؟ المؤلفان يجيبان: «لا معنى لذلك».
نيكول باشاران ودومينيك سيمونيه، صحفيان وكاتبان متخصصان في الولايات المتحدة، يشرحان في كتابهما أن هناك حاجة ماسة إلى مقاومة تحريف الكلمات والسيطرة على العقول. في نحو 300 صفحة تجمع بين التحقيقات والشهادات والتحليل، يعبران عن قلق مشترك أمام تصاعد اللامنطق واللاعقلانية.
يقولان: «ها هو السمّ المعادي لليهودية يعود بقوة، والتطرف الإسلاموي يواصل مشروعه القاتل، بمساعدة متواطئين عندنا يدّعون الفضيلة. وهناك، في أميركا التي كنا نحبها، رئيس جشع يهدم ركائز الديمقراطية، يفكك التحالفات، ويتقرب من الغزو الروسي الذي يريد إخضاع أوكرانيا».
على هذه الخلفية، يبرز سؤال جوهري: كيف يمكن التعبير عن المواقف من دون أن يُصنَّف المرء مباشرة في خانة أقصى اليمين أو أقصى اليسار؟ وكيف يُمكن التفكير بحرية في عالم يزداد تقييداً؟ هذا السؤال طرحته مجلة Écran de Veille في ديسمبر 2022 تحت عنوان “مقاومة تسفيه العالم”. ولهذا يتعاطف كثيرون مع باشاران وسيمونيه اللذين، رغم يأس واضح، يحاولان تجاوزه بطرح قراءة عقلانية للواقع.
منذ ذلك الحين، تدهورت الأوضاع أكثر. مجزرة حماس في 7 أكتوبر 2023 غيّرت المعطيات وأربكت الرأي العام. وأصبحت الدعاية هي أداة التواصل الأولى: عبر شعار Free Palestine الذي انتشر دولياً، كسب الإسلامويون المعركة. وفي الوقت نفسه، أدت عودة ترامب، الذي وعد بـ “جعل إعادة أميركا عظيمة مجدداً”، إلى تدمير الرسالة الأخلاقية التي بُنيت على أساسها سُمعة الولايات المتحدة منذ عهد توماس جيفرسون. لقد انهار الحلم الأميركي، فكيف يمكن للأوروبيين القبول بتحوله إلى كابوس؟
صورتان حديثتان تعكسان حجم الأزمة. الأولى من واشنطن: في 28 فبراير 2025، نصب ترامب، المتعجرف، ونائبه ج. د. فانس، الذي تصرف ككلب هجوم، كميناً للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي داخل المكتب البيضاوي، لا في مكان خفي بل أمام كاميرات العالم كله. وصف كتّاب هذا المشهد بأنه «الخيانة المذهلة لأميركا».
الصورة الثانية من فرنسا: نُشطاء يزعمون الانتماء إلى اليسار قاموا بتمزيق صور الرضيعين الإسرائيليين كفير وأرييل وأمهما شيري بيباس، الذين قتلهم مقاتلو حماس بوحشية، في الوقت الذي كانت فيه إسرائيل كلها تشيع رفاتهم. كيف يمكن لمثل هذه القسوة أن تتغطى برداء الإنسانية؟
هاتان الصورتان تُعبران عن انقلاب القيم. وللأسف، أصبحنا نقرأ جورج أورويل في كل بيان وخطاب ومقال يعكس الواقع الحالي. الأكاذيب الممنهجة صارت علامة على الشمولية القادمة. أمواجها تهاجمنا من كل الجهات. على كل قمة من هذه الأمواج تظهر أسماء اسم: الـ Wokism، ما بعد الاستعمارية، معاداة السامية، الترامبية، الاستبداد، البوتينية، العولمة البديلة…
أنا ماذا نفعل؟ هل نستسلم لهذا الطوفان أم نُقاوم؟ البداية تكون بجمع الأفكار والتمسك بروح المقاومة كما عرّفها الفيلسوف فلاديمير جانكليفيتش: «لا يتطلب الأمر أن تكون بطولياً، يكفي أن تكون وفياً وجاداً». ويضيف دومينيك سيمونيه: «عادلاً وصادقاً». هذه هي قوة الكتاب.
ويُذكرنا ذلك باعتراف الكاتب عاموس عوز: «حين كنتُ طفلاً في القدس، خلال أربعينيات القرن الماضي، كنت أتمنى أن أُصبح كتاباً عندما أكبر. ذلك أقل خطراً من أن أكون إنساناً، ومع قليل من الحظ قد ينجو منّي كتاب واحد على الأقل».
* “مرثية للعالم الحر. بين الترامبية والإسلاموية، الكماشة الشمولية”، نيكول باشاران ودومينيك سيمونيه، منشورات L’Observatoire، سبتمبر 2025، 280 صفحة.
















