بقلم محرر شؤون الاقتصاد: مصطفى عزيز الهامل
بقلم محرر شؤون الاقتصاد: مصطفى عزيز الهامل

مقالات مشابهة

تحليل اقتصادي

ترامب يُهدّئ الأسواق بعد “عاصفة الصين”.. وارتداد جماعي في الأسهم والمعادن والعملات الرقمية

بقلم محرر شؤون الاقتصاد: مصطفى عزيز الهامل
بقلم محرر شؤون الاقتصاد: مصطفى عزيز الهامل

بعد أيام من إشعال فتيل حرب تجارية جديدة مع الصين بفرض رسوم تجاوزت 100% على الواردات، عاد الرئيس الأمريكي ليُطفئ اللهيب الذي أشعله بنفسه. وبتغريدة مقتضبة قال فيها: «لا تقلقوا، كل شيء سيكون على ما يُرام مع الصين»، بعث دونالد ترامب رسائل تهدئة إلى الأسواق التي التقطت الإشارة سريعاً، لتستعيد بعضاً من توازنها بعد موجة بيع عاتية الجمعة الماضية.

في أحدث تصريحاته، قال ترامب: “إن واشنطن تسعى إلى مساعدة بكين، لا إلى التسبب في ضرر لها، في خطوة فسّرها مُحللون بأنها مُحاولة لاحتواء الارتباك الذي تسببت به الرسوم الجمركية الأخيرة”. مضيفاً، “الرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي يحظى باحترام كبير، يمرّ بمرحلة صعبة، وهو لا يريد ركوداً لبلاده، ولا أنا أريد ذلك أيضاً”.

ارتداد سريع في الأسهم الأمريكية والمعادن

استجابت الأسواق فوراً للهجة التهدئة الأمريكية تلك. وقفزت العقود الآجلة لمُؤشر “داو جونز الصناعي” 383 نقطة (0.84%)، وارتفعت تلك الخاصة  بـ”ستاندرد آند بورز” و”ناسداك” بنسبة 1.22% و1.67% على التوالي.

 ورغم موجة الارتداد في الأسهم، بقي الذهب سيد المشهد في أسواق السلع. فقد تجاوزت الأونصة للمرة الأولى 4083 دولاراً، بارتفاع 1.55%، مدفوعة بمزيج من المخاوف التجارية وتوقعات خفض الفائدة الأمريكية. أما عقود الذهب الآجلة لشهر ديسمبر فقفزت بنسبة 2.54% إلى 4102 دولارا، لحظة إعداد التقرير.

الفضة بدورها قفزت بنسبة 2.4% إلى 51.52 دولاراً للأونصة، وهو أعلى مستوى تاريخي، مدعومة بشُح المعروض وتدفقات استثمارية قوية. وفي الوقت الذي تبقى فيه احتمالات التقلبات واردة، إلا أن استمرار الاتجاه الصعودي للأسعار في المدى المتوسط مُرجح أيضاً.

“بيتكوين” تقود انتعاش العملات المشفرة

في موازاة ذلك، استعادت العملات المُشفرة بعضاً من خسائرها الحادة. فحلّقت “بيتكوين” بأكثر من 4.5% لتتداول عند 115,544 دولاراً، وذلك بعد أن هَوت نهاية الأسبوع إلى ما دون 110 آلاف دولار، في حين ارتفعت “الإيثر” بأكثر من 10% إلى 4,166 دولاراً، وتقدمت “سولانا” و”دوج كوين” بنسب تجاوزت 10%.

جاء ذلك بعد موجة تصفية قاسية مَحَت نحو 10% من القيمة السوقية الإجمالية للعملات الرقمية خلال 48 ساعة، في ظل تزايد المخاوف من تشديد مالي وقيود تنظيمية جديدة.

الإغلاق الحكومي يضغط على المشهد الإقتصادي

 ما زال الإغلاق الحكومي الأمريكي يُلقي بظلاله على المشهد العام مع اقتراب موعد صرف رواتب الموظفين الفيدراليين في 15 أكتوبر، ما يُهدِّد بتأخير نشر بيانات اقتصادية رئيسية.

في هذا الصدد، ألقى ترامب باللوم على الديمقراطيين، مُتهماً إياهم بعرقلة تمرير الموازنة في الوقت الذي تم الإعلان فيه عن وقف إطلاق النار في غزة، في مشهد يعكس تداخل السياسة بالاقتصاد على الساحة الأمريكية والعالمية.

الفيدرالي تحت ضغط الأسواق

تضع الأسواق في الحُسبان خفضاً مُحتملاً للفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في أكتوبر، مع خفض مماثل في ديسمبر. ومن المُنتظر أن يلقي جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، كلمة مهمة أمام الجمعية الوطنية لاقتصاديات الأعمال، وسط توقعات بأن يُقدِّم إشارات واضحة حول السياسة النقدية المقبلة.

كادر:

ترامب يُشعل الأسواق ويُطفئها… دراما السياسة قبل منطق الاقتصاد

 من جديد، يجد العالم نفسه رهينة لتصريحات دونالد ترامب. هذا التقلّب الحاد في المواقف ليس جديداً على الرئيس الأمريكي، بل يُشكل جُزءاً من نهجه السياسي القائم على المفاجأة والضغط المتبادل. ترامب، القادم من عالم المال والأعمال، يتعامل مع القضايا الاقتصادية الدولية بعقلية رجل الصفقة لا رجل الدولة، حيث يرفع سقف التهديد إلى أقصى مدى مُمكن، ثم يتراجع في اللحظة المناسبة ليبدو وكأنه أدار الأزمة وخرج منها مُنتصراً.

هذه الاستراتيجية، وإن كانت فعّالة في عالم التفاوض التجاري، فإنها تُحدِث اضطرابات عميقة في الأسواق المالية العالمية، إذ تُفقِد المستثمرين ثقتهم بالثبات السياسي والاقتصادي الذي تحتاجه أسواق الأسهم والسلع والعملات.

على الصعيد الشخصي والسياسي، يظهر ترامب بوصفه شخصية نرجسية براغماتية تسعى إلى البقاء في مركز الضوء الدائم. فهو لا يرى في التراجع ضعفاً، بل جُزءاً من لُعبة السيطرة على المشهد، إذ يفتعل الأزمة بنفسه، ثم يتدخل لاحتوائها فيبدو أنه يُمسك بزمام الأمور وحده. هذه الطريقة التي تجمع بين المسرح السياسي وحسابات السوق تضمن له التأثير الدائم، لكنها تجعل النظام الاقتصادي العالمي عرضةً لتقلبات مزاجية غير محسوبة.