سينما

“13 يوماً، 13 ليلة”.. في جحيم كابول

ياسمينة جعفر
ياسمينة جعفر

حصل مخرج فيلم “إيفل” على ميزانية قدرها 30 مليون يورو لفيلمه الروائي الطويل الجديد “13 يوماً، 13 ليلة”، من بطولة رشدي زم ولينا خودري. ورغم أن أعمال المخرج السابقة تفتقر إلى الحسم والجرأة في بعض الأحيان، فإن مارتن بوربولون، بالتعاون الوثيق مع المنتج الناجح ديميتري راسام، قد أبدع هذه المرة.

صيستوحي الفيلم أحداثه من رواية “13 يوماً، 13 ليلة، في جحيم كابول” (منشورات دونويل، 2022) للقائد محمد بيدا. وهو ضابط شرطة متقاعد، تولّى منذ عام 2016 مسؤولية مكافحة تهريب المخدرات في أفغانستان، ثم أصبح نائب الملحق الأمني في السفارة الفرنسية بكابول. وكانت مهمته حماية طاقم السفارة التي كانت تحت سلطة إدارة التعاون الأمني الدولي، وخاصة بعد تفجير 31 مايو 2017 في كابول.

 قبل أيام من تقاعده، بعد 40 سنة أمضاها في الخدمة، وبمساعدة عناصر وحدة RAID والسفير دافيد مارتينون (الذي جسد شخصيته نيكولا بريديه)، تمكن بيدا من إجلاء مئات الأشخاص الذين احتموا بالسفارة الفرنسية. والهدف كان الفرار من كابول التي سقطت بيد طالبان الأحد الموافق 15 أغسطس 2021. لكن ميزان القوى تغير فجأة بعد الانسحاب الأميركي المفاجئ وغير المهيأ له في عهد الرئيس السابق جو بايدن، فضلاً عن تراجع قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو).

 واستغرقت أكبر عملية إجلاء نظمتها فرنسا في تاريخها 13 يوماً و13 ليلة. وبمساعدة مئات الممثلين الإضافيين والكومبارس، جسّد مارتن بوربولون هذه الضغوط الهائلة والتوتر الشديد بحرفية كبيرة. كل مشهد يُعيد إلى الذاكرة صور نشرات الأخبار الحية في ذاكرتنا: نساء يمددن أطفالهن الصغار بالقرب من آخرين أقرب إلى أبواب الطائرات القليلة التي أُرسلت لحمل ما يمكن حمله تجنباً للمجازر؛ وحشودٌ مصطفةٌ بأملٍ ضئيلٍ يحدوها في النجاة.

 في 23 مايو 2025، عُرض الفيلم ضمن الاختيار الرسمي خارج المسابقة في مهرجان كان السينمائي، وأثار مشاعر الجمهور، حتى كاد يطغى على خبر اليوم المثير، وهو إعلان ارتباط اللاعب كريم بنزيمة ببطلة الفيلم الممثلة لينا خودري. وخلاله، تؤدي لينا دور “إيفا”، ناشطة إنسانية فرنسية-أفغانية، ذكية وتتحدث اللغتين، تدعم بقوة القائد “مو” (رشدي زم) الذي يركز على هدف واحد، وهو إنقاذ الشرف الفرنسي من خلال إنقاذ أرواح بريئة من الموت.

 كان يدرك ابن “الحركي” جيداً ما ينتظر الأفغان الذين تعاونوا مع الغربيين. فقد اعتبرتهم طالبان خونة، وكانت التصفية مصيرهم المحتوم. لهذا، تجاوز محمد بيدا مهمته الرسمية، وقرّر إيواء وإطعام وحماية الأفغان الحاملين لتأشيرات فرنسية، بالإضافة إلى الفرنسيين.

 ومع تزايد الحشود وخطر هجمات طالبان، تتسارع الأحداث. وفي ليلة 17 و18 من أغسطس، نجح محمد في نقل الجميع بحافلات مخصصة إلى المطار القريب. ولكن كل ذلك لم يكن ممكناً دون مفاوضات مع أحد قادة طالبان.

 وفي مشهد بطولي عصري، غادر القائد “مو” كابول في آخر طائرة يوم 28 أغسطس. وبفضله، أُجلي 142 فرنسياً و2630 أفغانياً بنجاح. ليُمنح في 21 نوفمبر 2017 وسام الاستحقاق الوطني برتبة فارس، ومن ثم وسام جوقة الشرف برتبة فارس أيضاً في 1 يناير 2022.

 يقول بوربولون، إنه أجرى بحثاً معمقاً حول الأحداث، وانغمس في أرشيف قنوات مثل CNN وBBC وفرانس 24. كما اعتمد على مقالات من لوموند ونيويورك تايمز وواشنطن بوست لتكوين رؤية أوسع وأكثر شمولاً. وبالنسبة لاختياره لرشدي زم، فيؤكد أنه كان خياراً بديهياً منذ البداية.

 الفيلم، رغم نقله للمخاطر بدقة، يعاب عليه أنه شديد الوفاء لرواية بيدا، ما جعله كلاسيكياً بعض الشيء. لكن هذا لا يقلل من قوته، خاصة وأن الأحداث لا تزال حاضرة في الأذهان منذ 2021. ومن النادر أن تتناول الأعمال السينمائية وقائع حديثة ومؤثرة بهذه الجرأة. ومن أبرز الأمثلة الفرنسية المشابهة فيلم “نوفمبر” عام 2022، للمخرج سيدريك جيمينيز، وبطولة جان دوجاردان وآنايس دوموستير، كما شاركت فيه لينا خودري. ويتناول الفيلم الهجمات الإرهابية في باريس يوم 13 نوفمبر 2015، والتي أودت بـ 130 قتيلاً و413 جريحاً، وجذبت أكثر من مليون مشاهد في دور السينما.

“13 يوماً، 13 ليلة”

  • إخراج: مارتن بوربولون (فرنسا، 1 ساعة و47 دقيقة).
  • سيناريو: م. بوربولون، ألكسندر سميا، عن كتاب محمد بيدا.
  • بطولة: رشدي زيم، لينا خودري، سيدس بابيت كنودسن.
  • مهرجان كان 2025 – خارج المسابقة.
  • العرض في الصالات: 27 يونيو 2025.

كادر

رشدي زم: أداء مذهل والتزام صارم

 حافظ الممثل الرائع في فيلم “البريء”، للويس غاريل عام 2023، والمخرج المتميز في “المقربون مني” 2022، على أسلوب وأداء متميزين في فيلم “13 يوماً، 13 ليلة”، من خلال نظرة صارمة وهيئة صامتة. إنه دور صُمم خصيصاً له، وهو اليوم أحد أعمدة السينما الفرنسية.

 رشدي زم، الملاكم السابق، فنان ملتزم لا يتنازل عن قناعاته ولا عن معاركه الفكرية، سواء في اختياراته التمثيلية والإخراجية، مثل: “عمر قتلني”، و”شوكولاته”، أو في فيلم “بودي بيلدر”، الذي بقي مغموراً رغم جودته، لكنه يستكشف الحتمية الاجتماعية والرغبة في التغلب عليها.

 وعندما سُئل بوربولون: “هل فكرت بأي ممثل آخر غير رشدي زم؟”، أجاب: “أبداً، كنت مقتنعاً بأنه الرجل المناسب. وكذلك كان أرادفان وديميتري. رشدي قرأ النص بسرعة ووافق فوراً”. وأضاف: “لقد جسّد أداء رجل استثنائي من دون أن يكون بطلاً خارقاً. ليس محارباً ولا نجم أكشن، بل رجلاً مدفوعاً بشجاعته وتعاطفه الإنساني وسط الفوضى، لإنجاز مهمة عظيمة بدقة وهدوء”.