في الوقت الذي بدأت فيه السلطات الفرنسية والأوروبية تدرك أخيراً خطورة جماعة الإخوان المسلمين، من المفيد الرجوع إلى كتاب الباحث الألماني ماتياس كونتسل “الجهاد وكراهية اليهود”، الذي كتب المؤرخ بيار أندري تاغييف في مقدمته: «يجب أن يوقظ هذا الكتاب الصادم العقول التي غفت بشكل خطير أمام التهديد الإسلاموي”.
– تتضمن الترجمة الفرنسية لكتابك «الجهاد وكراهية اليهود» نصاً للكاتب الفرنسي-الجزائري بوعلام صنصال، المسجون حالياً في الجزائر. حدثنا عن لقاءاتكما؟ كيف حصل وأن تواصلت معه؟ وهل نشأت بينكما علاقة وثيقة؟
– في عام 2009، صدر كتابي «الجهاد وكراهية اليهود» عن دار نشر L’Oeuvre، مع مقدمة بقلم بيار أندري تاغييف. وبعد وقت قصير، قرأت مقالة ممتازة وجريئة لبوعلام صنصال حول العلاقة بين النازية والإسلاموية. فأرسلت له نسخة من كتابي. ليرد عليّ بعد بضعة أشهر برسالة رائعة، نشرتها في مقدمة الطبعة الثانية من كتابي (دار Toucan، 2015).
التقينا لاحقاً خلال محاضرة ألقاها صنصال في دار النشر الألمانية Merlin Verlag. عندها توطدت علاقتنا، وزارني بعدها خلال جولة أدبية له. وعندما فزت بجائزة تيودور لسينغ عام 2022، بعث لي بوعلام رسالة تهنئة كتب فيها: «بحكم صلتي الفكرية والشخصية بماتياس كونتسل، أشعر بالفخر ايضاً». حقيقة أن النظام الجزائري سجنه وحكم عليه بالسجن خمس سنوات لمجرد ممارسته لحرية التعبير، هو أمرٌ يبعث على الاستياء الشديد.
– كيف تفسر عدم قيام أي من الفروع التابعة لجماعة الإخوان المسلمين في العالم، بإعادة النظر طوال عقود في تعاطف حسن البنا مع النازية؟
– بداية وقبل كل شيء، أعتقد أنه يجب أن نأخذ على محمل الجد ادعاء الإخوان بأنهم حركة دينية فعلاً. لقد كانوا يرفضون سياسة النازيين العرقية وقوميتهم، لأنها تتعارضان مع رؤيتهم للأمة كحركة إسلامية جامعة. أما بالنسبة للزعيم الروحي حسن البنا، كان من غير المعقول أن يُتخذ زعيماً غير مسلم مثل أدولف هتلر قدوة. ومع ذلك، تعاون الإخوان المسلمون بشكل تكتيكي مع النازيين.
في أواخر الثلاثينيات، كان الإخوان يلتقون بانتظام مع عملاء نازيين في القاهرة. وكان جوزف غوبلز على علم بذلك وسعيداً به أيضاً. لقد نظم الألمان ما سموه بـ«اللقاءات الفلسطينية»، وورشات تدريب مشتركة حول «المسألة اليهودية». كما حوّلوا أموالاً طائلة لهذه الجماعة الإسلاموية. وقد آتت هذه الاستثمارات أكلها بعد عشر سنوات، عندما أصبح الإخوان المسلمون أكبر حركة دينية معادية للسامية في العالم، حيث بلغ عدد أعضائها مليون عضو بعد عام 1945. كما لعبت الجماعة دوراً حاسماً في إفشال خطة التقسيم التي وضعتها الأمم المتحدة سنة 1948، وفي شن الحرب ضد الدولة الإسرائيلية الناشئة آنذاك.
– هل تعتقد أن مفتي القدس أمين الحسيني كان يحظى بشعبية بين المسلمين خارج فلسطين؟ وكيف كان يُنظر إليه في بلدان المغرب العربي؟
– بذل النازيون كل ما في وسعهم، في ذلك الوقت، لجعل المفتي الأكبر معروفاً في العالم الإسلامي، واعتبروه أداة دعائية ممتازة لألمانيا النازية، خصوصاً في الدول ذات الأغلبية المسلمة. كانوا، على سبيل المثال، يُلقون من الطائرات منشورات تحمل الصورة الشهيرة له مع الفوهرر أدولف هتلر. كما كانوا يبثون خطاباته المعادية للسامية عبر محطاتهم الإذاعية الناطقة بالعربية. لهذا السبب، كان المفتي أشهر عربي في العالم بعد 1945. أما القوى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، فلم تجرؤ على محاكمته، رغم أنه كان يحمل رتبة “غروبينفورر” في قوات “الإس إس” النازية (الرتبة الرابعة في هرم القيادة)، وكان مسؤولاً عن الكثير من جرائم الحرب، ودعم الهولوكوست بفعالية.
– هل تفاجأت بتصاعد معاداة السامية بعد 7 أكتوبر 2023 داخل أوساط اليسار المتطرف في الغرب؟
– لم أفاجأ فحسب، بل شعرت بصدمة عميقة. الجميع يعلم أن منفذي مجازر 7 أكتوبر 2023 صوروا جرائمهم السادية ونشروا مقاطع الفيديو على الإنترنت: حرق عائلات بأكملها، بتر الأطراف، اغتصابات وحشية، وتعذيب. لم يكونوا مجرد قتلة، بل لديهم عداء مرضي تجاه اليهود، يرون أن كل يهودي مذنب لمجرد كونه يهودياً، ويؤمنون بأن مهمتهم النبيلة والسامية هي تطهير العالم منهم، أي ما يسمى بـ “Judenfrei”. وهو مصطلح ألماني استخدم في عهد الرايخ الثالث للإشارة إلى مكان “خالي من اليهود”، إما عن طريق الإعدام أو الترحيل.
بعد 7 أكتوبر من ذاك العام، كان من المتوقع والبديهي اتخاذ موقف فوري متضامن مع الضحايا، لكن ازداد قلقي عندما رأيت عكس ذلك تماماً يحدث. ففي نفس اليوم، وفي أماكن كثيرة، بدأ البعض في الاحتفاء بفظائع حركة المقاومة الفلسطينية “حماس”، وإلقاء اللوم على إسرائيل. حتى أن شخصية بارزة كالفيلسوفة اليهودية جوديث بتلر قالت، رغم كل الأدلة، إن “ما حدث لم يكن هجوماً إرهابياً ولا عملاً معادياً للسامية، بل فعل مقاومة مسلحة”. وهكذا تخلّى جزء كبير من اليسار الراديكالي عن القيم الإنسانية والتمدن. وهذا أمر محزن ومخزٍ للغاية.
سيرة مختصرة
ولد ماتياس كونتسل عام 1955 في أوسنابروك (ساكسونيا السفلى) بألمانيا. وهو أستاذ في هامبورغ، وباحث في الجامعة العبرية في القدس، وهو كاتب ومحلل سياسي متخصص في العلاقات بين الإسلاموية ومعاداة السامية، وخصوصاً النازية.
كادر
“الجهاد وكراهية اليهود”: تاريخ الصلات المشبوهة بين الإخوان المسلمين والرايخ الثالث
تُرجمت كتابات حسن البنا إلى عدة لغات منذ عقود، لذا لا يمكن لأحد ادعاء جهل حقيقة أن مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في مصر عام 1928، يرى أن «القرآن الكريم يعيّن المسلمين أوصياء على البشرية، ويمنحهم حق السيادة والهيمنة على العالم لتنفيذ هذه المهمة السامية». لقد حذّرتنا كتابات البنا منذ قرن تقريباً، بأن لدى الإخوان المسلمين طموح في إقامة «سلطة إسلامية شاملة على الأرض بأسرها!»
في كتاب «الجهاد وكراهية اليهود»، يبين ماتياس كونتسل أنه لتحقيق أهدافها، لم تتردد جماعة الإخوان المسلمين في التعاون مع عملاء الرايخ الثالث النازي، ووزعت كتاب كفاحي (Mein Kampf) في مصر. بل إن حسن البنا ناقش خطة تمرد ضد البريطانيين لدعم المجهود الحربي الألماني. كما عرض فرع الجماعة، شبه العسكري خدماته على النازيين، الذين جنّدوا بدورهم الكثير من هؤلاء النشطاء لصالح أجهزة الاستخبارات الألمانية.
ويتساءل كونتسل، “لماذا، خلافاً للحركات شبه الفاشية الأخرى في ثلاثينيات القرن الماضي، لم تختفِ الجهادية الإسلاموية من المشهد بعد هزيمة النازيين»؟











