خطة ترامب التي أُعلن عنها رسميًا في البيت الأبيض لإنهاء الحرب في غزة، ليست مجرّد ورقة دبلوماسية عابرة. إنها “خريطة طريق” مفصّلة في 20 بندًا، محمّلة بالوعود والتناقضات: وقف إطلاق نار شامل، تبادل للرهائن والأسرى، انسحاب إسرائيلي مرحلي، إدارة انتقالية تحت إشراف دولي، وتمويل عربي ضخم لإعادة الإعمار.
على الورق، تبدو الخطة بمثابة “صفقة مثالية”: أمن لإسرائيل، إعمار للفلسطينيين، وضمانات من المجتمع الدولي. لكن بين طيّات البنود العشرين للخطة تكمن أسئلة إشكالية: من سيحكم غزة؟ كيف ستُستبعد حماس من دون تفجير حرب جديدة؟ ومن سيدفع فاتورة إعادة الإعمار المليارية؟
البنود الرئيسية للخطة
· وقف إطلاق نار شامل ومتدرّج.
· إطلاق جميع الرهائن الإسرائيليين مقابل آلاف الأسرى الفلسطينيين.
· انسحاب إسرائيلي مرحلي تُستبدل قواته بقوة عربية–دولية مختلطة.
· إنشاء “السلطة الانتقالية الدولية لغزة” بقيادة توني بلير.
· تمويل عربي وإسلامي لإعادة الإعمار مع ضمان عدم التهجير وحماية الملكيات.
· الحفاظ على الوضع القائم في المسجد الأقصى، ووقف الضمّ والتوسع الاستيطاني في الضفة الغربية.
سباق مع الزمن… ونوبل في الخلفية
تحليل حظوظ “خطة ترامب” في النجاح لا يمكن أن يكتمل من دون الأخذ في الاعتبار البُعد الشخصي: ترامب يسابق الزمن قبل الإعلان عن جائزة نوبل للسلام في 10 أكتوبر. فبعد تعثر رهانه على الملف الأوكراني، ها هو يضع كل ثقله في غزة ليقدّم نفسه كـ”صانع سلام” عالمي، أملًا في أن يظفر بالجائزة، على غرار غريمه السياسي، الرئيس الأسبق باراك أوباما، الذي مُنح نوبل للسلام عام 2009.
الرغبة الشخصية لدى الرئيس في إحراز جائزة نوبل للسلام ليست تفصيلًا ثانويًا، بل إنها تشكّل عامل ضغط سياسي لا يُستهان به: واشنطن تريد إنجازًا سريعًا، والجميع يدرك أن الإدارة الأميركية هي الوحيدة القادرة على أن تفرض على جميع الأطراف ما يتطلّبه إنجاح الخطة من تنازلات قد تبدو مؤلمة.
معضلات قد تستعصي على التسوية
بالرغم من الضغوط الأميركية لإنجاح الخطة والتأييد الدولي الواسع الذي تحظى به، إلا أن الإرادة الدولية قد لا تكون كافية لجرّ المتطرفين وأعداء السلام، في معسكري الصراع الإسرائيلي والفلسطيني كليهما، إلى القبول بالتسوية. وذلك لأن حزمة شائكة من الإشكاليات تبقى مطروحة:
· حماس: إقصاؤها شرط أساسي في الخطة… لكن، كيف يمكن أن يتم ذلك من دون تفجير حروب أو اقتتال داخلي بين الفلسطينيين؟
· إسرائيل: كيف يمكن لنتنياهو أن يسوّق لأنصاره وللرأي العام الإسرائيلي القبول بتنازلات كبرى تناقض خطابه السياسي والمنهج المتشدّد لحكومته، كالانسحاب المرحلي من غزة وإطلاق سراح آلاف الأسرى الفلسطينيين؟
· العرب: من سيموّل إعمارًا بمليارات الدولارات في ظل غياب أفق سياسي واضح أو ضمانات أمنية وسياسية محددة بدقة؟
· الشرعية الدولية: هل يمكن القبول، فلسطينيًا وعربيًا ودوليًا، بشخصية مثيرة للجدل مثل توني بلير على رأس إدارة غزة؟ وأي مصداقية سيحظى بها، وهو الذي ارتبط اسمه بالتلفيقات التي أدت إلى تبرير غزو العراق عام 2003؟
· الضفة الغربية: أي مشاريع ضمّ جديدة للأراضي الفلسطينية أو توسعات استيطانية في الضفة ستقوّض الخطة من أساسها. وهذا سلاح تدمير لن يتورّع غلاة المستوطنين ومن يدعمهم في تيارات اليمين الإسرائيلي المتطرّف عن استخدامه لتفخيخ عملية السلام وإفراغها تدريجيًا من محتواها، على غرار ما حدث لمسار أوسلو.
منطق الصفقة وفخّ الوصاية
الخطة كما أرادها ترامب تحمل ملامح “صفقة كبرى” قائمة على منطق التنازلات المتبادلة: الرهائن مقابل الأسرى، الانسحاب الإسرائيلي مقابل الأمن والضمانات الدولية، إعادة الإعمار مقابل إقصاء حماس.
لكن الصفقة تحمل بين طيّاتها فخًا سياسيًا لا يجب إغفاله، إذ إنها ستؤسّس لشكل غير مسبوق من الوصاية السياسية الدولية، حيث ستوضع غزة تحت نظام إدارة متعددة الأطراف، لا يكون فيه للفلسطينيين سوى دور ثانوي ومحدود للغاية – على الأقل خلال الفترة الانتقالية – بينما ستتوزّع السلطة بين واشنطن وتل أبيب والقوى العربية. ومع ذلك، فإن هذه الإدارة متعددة الأطراف ستضع غزة في مأمن من المشاريع العدوانية لغلاة المتطرفين في إسرائيل، والتي قد تكون أخطر من الوصاية الدولية، مثل خطط تهجير سكان غزة بالقوة أو إعادة احتلالها بالكامل.
في المحصّلة، لا تكمن القيمة الحقيقية لخطة ترامب في تفاصيل بنودها العشرين، بل في السياق السياسي الذي تندرج فيه: ترامب يريد إنجازًا سريعًا قبل 10 أكتوبر. وهذا السباق مع الزمن قد يفتح نافذة نادرة للتسوية. صحيح أن هذه التسوية قد تحوّل غزة إلى ساحة للوصاية الدولية، بما من شأنه أن يؤجّل تحقيق حلّ الدولتين بدل التعجيل به. لكن، أياً كانت المآخذ عليها، فإن التسوية ستضع حدًا للحرب وتُخرج غزة (نهائيًا؟) من الكماشة المزدوجة للاحتلال الإسرائيلي وهيمنة حماس. وذلك بحد ذاته إنجاز بالغ الأهمية.














