في تتويج لرمزية النضال السلمي ومقاومة الاستبداد، منحت “اللجنة النرويجية” جائزة نوبل للسلام لعام 2025 إلى زعيمة المعارضة الفنزويلية ماريا كورينا ماتشادو، تقديراً لشجاعتها في الدفاع عن الحقوق الديمقراطية لشعبها، وسعيها الحثيث نحو انتقال سلمي من الحكم السلطوي إلى نظام ديمقراطي.
خيار “اللجنة النرويجية” يشكّل خطوة لافتة في تاريخ جائزة نوبل للسلام. فمكافأة زعيمة المعارضة الفنزويلية، ماريا كورينا ماتشادو، لم يأت تكريماً لإنجاز سياسي أو دبلوماسي معيّن، كما جرت العادة، بل تثميناً لنضال سلمي مستمر رغم القمع والمخاطر، وتتويجا لـ “الصمود الأخلاقي والسياسي” في مواجهة “السلطة والنجاح الانتخابي”، ما يُترجم التحوّل في مفهوم السلام، الذي بات يشمل الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان، من خلال تسليط الضوء على مسيرة ماتشادو السياسية والبرلمانية، ومحطاتها البارزة في قيادة المعارضة، رغم الإقصاء القضائي والملاحقات. فوزها بالجائزة يعيد فتح النقاش حول البُعد السياسي لنوبل، وجدليتها بين التكريم الأخلاقي والرسائل الرمزية.
من هي ماريا ماتشادو؟
سياسية ناشطة ومُعارضة فنزويلية، تُعد من أبرز الأصوات المُدافعة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في بلد يمر بأزمة سياسية واقتصادية حادة. وُلدت في أكتوبر 1967 في العاصمة كاراكاس، لأسرة ذات خلفية صناعية وتجارية، مما أتاح لها تعليماً متميزاً وفرصاً للانخراط في الشأن العام. حصلت على درجة البكالوريوس في الهندسة الصناعية من جامعة “أندريس بيلو الكاثوليكية”، وتابعت دراساتها العليا في المالية بـ “معهد الدراسات المتقدمة للإدارة”.
النشاط المدني والحياة البرلمانية
عام 1992، أسّست ماتشادو منظمة “أتينيا” المعنية بحقوق الأطفال المشردين في كاراكاس. كما شاركت في تأسيس منظمة “سوميت” (Súmate)، التي تركز على مراقبة الانتخابات، وتدريب الناخبين، وضمان نزاهة العملية الانتخابية.
شغلت ماتشادو مقعداً في الجمعية الوطنية الفنزويلية (البرلمان) بين عامي 2011 و2014، حيث برزت كصوت مُعارض قوي للنظام الحاكم، لا سيما في ملفات انتهاكات الحريات وحقوق الإنسان. وفي عام 2012، أسست حزب “فينتي فنزويلا” (Vente Venezuela) كمنصة سياسية ليبرالية معارضة.
وساهمت أيضاً في تأسيس تحالف “سوي فنزويلا” (Soy Venezuela)، الذي وحّد قوى مًعارضة متنوعة تحت مظلة المطالبة بالديمقراطية والإصلاح. وفي عام 2014، جُرّدت من عضويتها البرلمانية في خُطوة ذات دوافع سياسية، بعد انتقادها الحكومة والتحدث أمام “منظمة الدول الأمريكية” عن الانتهاكات، مما فاقم التوتر بينها وبين النظام.
النضال الرئاسي المستمر
خاضت ماتشادو الانتخابات التمهيدية للمعارضة في عام 2012، لكنها لم تتمكن من الفوز بترشيح المُعارضة المُوحد. وخلال احتجاجات عام 2014، كانت من أبرز منظمي المظاهرات ضد حكومة نيكولاس مادورو.
في نهاية عام 2022، حققت فوزاً كاسحاً في الانتخابات التمهيدية للمُعارضة، لتصبح مُرشحتها الرسمية للانتخابات الرئاسية المُقررة في 2024. ورغم هذا التفويض الشعبي، استُبعدت من السباق الرئاسي بقرارات قضائية وإدارية، أثارت انتقادات دولية واسعة شككت في نزاهتها.
تقدير دولي سابق
قبل فوزها بجائزة نوبل، نالت ماتشادو تقديراً دولياً كبيراً، حيث حصلت على “جائزة ساخاروف” لحرية الفكر من البرلمان الأوروبي عام 2024، و”جائزة فاتسلاف هافيل” لحقوق الإنسان، إلى جانب جوائز أخرى مرموقة. ونجحت بفضل قيادتها في توحيد أطياف واسعة من المعارضة الفنزويلية، وتفعيل شبكات المُراقبة الانتخابية والتوثيق الميداني.
كادر:
جائزة نوبل وتطور مفهوم السلام
تُعدّ “جائزة نوبل للسلام” من أبرز الجوائز العالمية وأكثرها رمزية. تأسست بموجب وصية العالم السويدي “ألفريد نوبل” عام 1895، لتُمنح سنوياً لمن يسهم بأكبر فائدة للبشرية في تعزيز الإخاء بين الأمم، أو إلغاء الجيوش القائمة وتقليصها، أو نشر روح السلام. وهي الجائزة الوحيدة التي تُمنح من قبل لجنة نرويجية مستقلة في أوسلو.
مُنحت الجائزة لأول مرة عام 1901. وعلى مدى أكثر من قرن، شهد مفهوم “السلام” الذي تُكرمه الجائزة تحولات كبيرة؛ فبعد أن كان يُركز على نزع السلاح وتسوية النزاعات بين الدول، اتسع نطاقه منذ منتصف القرن العشرين ليشمل المدافعين عن حقوق الإنسان، والديمقراطية، والبيئة، والتنمية الاجتماعية، بوصفها ركائز أساسية للسلام المستدام.
جدل سياسي
لم تخلُ الجائزة من الجدل السياسي، إذ اعتبرها البعض أداة ضغط أخلاقي أو رسالة سياسية. فمنحها للرئيس الأمريكي باراك أوباما عام 2009، بينما كانت الولايات المتحدة تخوض حربين، أثار انتقادات واسعة. كما أن تجاهل أسماء كبرى مثل المهاتما غاندي، الذي رُشّح خمس مرات دون أن يفوز، لا يزال يثير استغراب المؤرخين.
الفائزون بالجائزة في السنوات العشر الأخيرة:
- 2025: زعيمة المعارضة الفنزويلية ماريا كورينا ماتشادو.
- 2024: مجموعة “نيهون هيدانكيو” للناجين من قصف هيروشيما وناغازاكي.
- 2023: الناشطة الإيرانية نرجس محمدي، لنضالها ضد قمع النساء في إيران.
- 2022: الناشط البيلاروسي أليس بيالياتسكي، ومنظمتا “ميموريال” الروسية و”مركز الحريات المدنية” الأوكرانية.
- 2021: الصحفيان ماريا ريسا ودميتري موراتوف، لدفاعهما عن حرية الصحافة.
- 2020: برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، لجهوده في مكافحة الجوع.
- 2019: رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، لجهوده في تحقيق السلام مع إريتريا.
- 2018: الطبيب دينيس موكويجي والناشطة نادية مراد، لمكافحتهما العنف الجنسي.
- 2017: الحملة الدولية لإلغاء الأسلحة النووية (آيكان).
- 2016: الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس، لجهوده في إنهاء النزاع المسلح في بلاده.

