تقرير ميداني

موريتانيا، بوابة جديدة للهجرة السرّية نحو أوروبا

بقلم: يان هامل، موفد غلوبال ووتش عربية إلى نواكشوط ومبيرا
بقلم: يان هامل، موفد غلوبال ووتش عربية إلى نواكشوط ومبيرا

تواجه موريتانيا تحدياً جديداً يُضاف إلى مُعاناتها كواحدة من أكبر وجهات اللجوء في غرب أفريقيا، فقد أصبحت وجهة مفضلة للباحثين عن معابر بحرية نحو أوروبا، بعد أن غيرت الإجراءات المشددة المُتخذة في حوض البحر الأبيض المتوسط وجهة العبور نحو شواطئ موريتانيا الممتدة على الأطلسي على طول 750 كيلومتراً، والتي أضحت مسرحاً للمهربين، ومقبرة لضحاياهم.

يتجه مئات الآلاف من المهاجرين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء، الباحثين عن الفردوس الأوروبي المُزيّف، والذين دفع بهم الفقر من جهة، ومجازر المرتزقة الروس في منطقة الساحل من جهة ثانية، إلى موريتانيا، وأصبحوا يتكدسون على الشواطئ وفي المخيمات داخل الأراضي الموريتانية الشاسعة. هدفهم: الوصول إلى جزر الكناري الإسبانية، مقابل ستة آلاف يورو يدفعونها للمهربين.

عند الحدود بين موريتانيا ومالي، يستقبل مخيم «مبيرا» للاجئين في منطقة الحوض الشرقي 160 ألف لاجئ مالي، إضافة إلى 140 ألفاً آخرين يقيمون خارجه. يُعتبرون أكبر تجمع بشري بعد العاصمة نواكشوط حسب تصريح الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني لصحيفة “لوفيغارو” الفرنسية.

الشهادات التي يرويها الناجون صادمة. فمرتزقة مجموعة «فاغنر» الروسية، التي استُبدلت بتنظيم شبه عسكري جديد يُسمّى «فيلق إفريقيا»، لا يتوقفون عن ارتكاب المجازر والاغتصاب والنهب ضد الإثنيات العرقية في شمال مالي.

 يقول راعٍ شاب من قومية الفولاني: «إنهم يقتلون بدم بارد، دون أي سبب، دون تردّد أو تمييز». الروس أحرقوا قطيعه من الماعز ودمّروا منزله. أما مصطفى، فيروي سياسة الترهيب التي تُمارسها القوات المالية، بدعم من المقاتلين الروس: «في النهاية لم يتبقَّ لدينا حتى الحصائر أو الوسائد، أخذوا حتى أواني الطبخ». وقد فرّ مع عائلته إلى موريتانيا بعدما قُتل ابن جارتهم الفلاح أمام أعينهم بالرصاص1.

 في مايو الماضي، خلال زيارتنا لهذا الجحيم، التقينا مسؤولاً في إحدى المنظمات غير الحكومية، كان يعمل لسنوات في مالي قبل أن ينسحب مؤخراً إلى موريتانيا. فضّل عدم ذكر اسمه لحماية زملائه العاملين في بقية دول الساحل (مالي، بوركينا فاسو، النيجر). قال: «منذ وصول الروس، تصاعد مستوى الرعب: إنهم يُعذبون ويغتصبون ويشوّهون ويحرقون الجثث. يقطعون الرؤوس لإرغام الناس على الفرار، ثم يدفعونهم لاحقاً إلى محاولة الوصول إلى أوروبا». برأيه، هذه «وسيلة ضغط من موسكو على الغرب عبر إغراقه بالمهاجرين غير الشرعيين».

في مخيم «مبيرا»، تتدهور الأوضاع باستمرار منذ أن دمّر دونالد ترامب «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)»، وهو ما أدى إلى تقليص المساعدات المالية الممنوحة من «برنامج الغذاء العالمي» و«أكشن كونترا لا فان». اليوم، لا يتلقى المساعدات سوى ثمانية آلاف لاجئ، بمعدل 500 أوقية موريتانية شهرياً، أي ما يعادل 22 يورو فقط.

نهر السنغال، منطقة محظورة

لماذا يستهدف الروس موريتانيا تحديداً؟

 إغلاق تونس وليبيا أمام المهاجرين دفع شبكات التهريب نحو السواحل الأطلسية. الهدف لم يعد جزيرة لامبيدوزا الإيطالية في البحر المتوسط، بل جزر الكناري الإسبانية. هذه الجزر، مثل فويرتيفنتورا، قريبة من الصحراء الغربية، وخاصة من مدينة العيون. الرحلة بقارب مطاطي مزوّد بمحرك تستغرق 9 إلى 10 ساعات فقط. لكن السلطات المغربية تراقب بشدة هذا المسار، خصوصاً وأن الصحراء الغربية ما زالت محل نزاع مع جبهة البوليساريو. لذلك، يُفضل المهاجرون الانطلاق من موريتانيا، بلد شاسع المساحة (مليون كلم²)، لكنه قليل السكان (أربعة ملايين نسمة فقط)، مع أن الرحلة أطول وأكثر خطورة.

إلى الآن، لا يتوجه لاجئو «مبيرا» مباشرة نحو الساحل أو نواكشوط، عاصمة موريتانيا البعيدة 1200 كلم. هم هربوا من الفظائع فقط ويحاولون البقاء في أمان قريب نسبياً من موطنهم. أما غالبية المرشحين للهجرة، فيأتون عبر نهر السنغال، الحد الفاصل بين موريتانيا والسنغال. يأتون من السنغال وغينيا وغامبيا وأحياناً من السودان، بل ومن سوريا واليمن وباكستان. عبر العبّارة، كانوا يصلون بأعداد كبيرة إلى مدينة روسو الحدودية، الغارقة في الغبار والنفايات.

 عندما طلبنا من سائقنا أن يأخذنا إلى النهر، أخذ يدور في الشارع الرئيسي ويعود أدراجه مراراً. وعندما استفسرنا منه عن سبب هذا التأخير، ادعى أن النهر بعيد «ربما 100 كيلومتر»، ثم قال «ممنوع الاقتراب من النهر». وحين وصلنا بمجهودنا الخاص إلى العبّارة، رفضت الشرطة السماح لنا بالتصوير وطردتنا بقسوة.

شيك بـ 210 ملايين يورو

في وقت لاحق، قادتنا امرأة سنغالية تعمل في فندق بروسو إلى النهر بسهولة. تقول: «السلطات تلاحق المهاجرين السريين، تعتقلهم وتضربهم وتصادر أموالهم. لم يعودوا يجرؤون على مغادرة بيوتهم». أما السائق، فكان في رأيها مجرد مخبر للشرطة.

هكذا تدهورت صورة موريتانيا فجأة لدى جيرانها. فقد عبّرت منظمات إنسانية وكذلك السلطات السنغالية عن قلقها من «ظروف الطرد غير الإنسانية»، وفق تقرير لإذاعة فرنسا الدولية2. المطرودون يجدون أنفسهم بلا مال أو مأوى على الضفة الأخرى من النهر، في مدينة أخرى تحمل أيضاً اسم روسو.

CHINE NOUVELLE/SIPA

موريتانيا، التي كانت مُتساهلة نسبياً مع المهاجرين بحكم قلة سكانها وحاجتها إلى اليد العاملة، أصبحت فجأة صارمة تحت ضغط أوروبي. ففي 2024، جاءت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، إلى نواكشوط عارضةً على موريتانيا مهمة جديدة: أن تصبح «أحد حرّاس أوروبا الجدد»، مقابل 210 ملايين يورو.

 وزير الخارجية الموريتاني محمد سالم ولد مرزوك اضطر للتوضيح، في مقابلة مع “لوموند”، أن بلاده ليست «مخيماً مفتوحاً»، مضيفاً: «بلادنا تستضيف اليوم آلاف المهاجرين واللاجئين، بعضهم يهرب من انعدام الأمن والعنف في الساحل، وآخرون يأتون من غرب إفريقيا بحثاً عن حياة أفضل»3. لكنه رفض وصف موريتانيا بأنها «شرطي حدود أوروبا».

مع ذلك، أصبحت موريتانيا اليوم محط اهتمام الاتحاد الأوروبي، وخاصة إسبانيا، الدولة الأكثر تضرراً من موجات الهجرة التي تضرب جزر الكناري. بين 2022 و2024، ارتفع عدد الوافدين من 15 ألفاً إلى 47 ألفاً، ما أثار ذعراً لدى السكان والسياح.

 من مدينة نواذيبو، القريبة من الصحراء الغربية، تنطلق القوارب شبه يومياً. يقول أحد رواد مطعم «غالوفا» المطل على الساحل: «كل صباح تقريباً، يصطاد الصيادون جثث المهاجرين في شباكهم». المطعم مشهور بمأكولاته البحرية، لكنه أيضاً مكان لقاء الإسبان، الضيوف المميزين في نواذيبو. موريتانيا الإسلامية تسمح له بتقديم الكحول، بخلاف القوانين الرسمية، إرضاءً للضيوف الإسبان الذين يدفعون بسخاء مقابل تعاون السلطات في اعتراض المهاجرين واعتقال المهربين، الذين يتقاضون ما بين 4 و6 آلاف يورو عن كل رحلة.

 إسبانيا تعهدت بدفع عشرة ملايين يورو سنوياً لتدريب وتجهيز خفر السواحل الموريتانيين. وفي مطلع السنة، استقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني، رئيس حكومة جزر الكناري فرناندو كلافيخو باتيي، مع وفد من 70 شخصية، استقبال رؤساء الدول. وتم الاتفاق على ميزانية قدرها 200 مليون يورو على ست سنوات لتطوير مشاريع تشمل الهجرة غير النظامية، «الاقتصاد الأزرق»، الصيد، الزراعة، وحتى تبادل الطلاب.

هوامش

  1. سيليا كورديفيد، «في مخيم مبيرا للاجئين، مالي مصغّر»، لوموند، 28 أغسطس 2025.
  2. ليا-ليزا ويستيرهوف، «في روسو بالسنغال، مهاجرون من إفريقيا جنوب الصحراء يلجأون بعد طردهم من موريتانيا»، 18 مارس 2025.
  3. لوموند، «موريتانيا ليست حارس حدود أوروبا، بل تسعى لتعاون في ملف الهجرة وأيضاً لحماية أمنها القومي»، 29 أبريل 2025.