بقلم محرر الشؤون الإفريقية: على مهاجر
بقلم محرر الشؤون الإفريقية: على مهاجر
تحليل سياسي

مالي على حافة الانهيار الأمني: موسكو تحمي الذهب وواشنطن تُحذر من فوضى وشيكة

بقلم محرر الشؤون الإفريقية: على مهاجر
بقلم محرر الشؤون الإفريقية: على مهاجر

شهدت مالي، مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2025، أسوأ انفلاتٍ أمنيٍّ منذ عقدٍ كامل، حيث يتقاطع الانهيار الميداني مع شلل اقتصادي خانق فرضته الجماعات المسلحة التابعة لتنظيمي القاعدة وداعش. وبينما تُغلق باماكو حدودها مع موريتانيا في خطوةٍ تعكس هشاشة السلطة، تركّز موسكو وجودها حول مناجم الذهب، فيما تحذر واشنطن من انزلاق البلاد إلى فوضى شاملة في قلب الساحل الإفريقي.

ذكر تقرير لـ “واشنطن بوست” في الـ 21 من أكتوبر/تشرين الأول 2025، أن جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” فرضت حصاراً جزئياً على محاور التزود بالوقود المُؤدية إلى عاصمة مالي باماكو، ما تسبب في شلل شبه كامل للنقل، وتوقف الدراسة في المدارس والجامعات.
بعد عدة أيام، أشارت وكالة “أسوشييتد برس” إلى أن الأزمة كشفت هشاشة مؤسسات الدولة الانتقالية وعجزها عن تأمين الإمدادات الأساسية، في وقت يتزايد فيه نفوذ الجماعات المسلحة في مناطق الوسط والجنوب.

توسيع الجماعة لعملياتها نحو الجنوب وفرضها ضرائب محلية يعكس تآكل سلطة الدولة، وغياب قدرتها على فرض القانون خارج المراكز الحضرية، وفق بيانات منظمة “ACLED”، التي سجلت ارتفاعاً لافتاً في الهجمات ضد الجيش والمدنيين خلال الأسابيع الأولى من أكتوبر.

الفيلق الروسي: أمنٌ موجّه بالذهب

منذ انسحاب مجموعة “فاغنر” في منتصف العام، تولّى ما يُعرف بـ “الفيلق الإفريقي الروسي” مهامّ أمنية محدودة تركز على حماية مناجم الذهب والمصالح الاقتصادية، تاركاً مساحات شاسعة من البلاد في فراغ أمني متزايد. ويرى محللون أنّ هذا التحول يعكس مُقاربة روسية جديدة قائمة على “أمن الموارد” لا “أمن الدولة”، أي حماية رأس المال لا السكان، ما يُعمّق ارتهانَ مالي لشراكات خارجية لا تُعالج جذور الخلل المؤسسيِّ.

في الوقتِ الذي تراهنُ فيه باماكو على دعمٍ روسي في  تطوير مصفاة الذهب الوطنية، تُعاني البلاد اضطرابات متكررة في الشحنات والإمداداتِ، ما يجعل قطاع الذهب، الذي يُشكّل أكثر من 70% من صادرات مالي، رهينةً للتقلبات الأمنية ذاتها.

تحذيرات أمريكية وعُزلة متزايدة

أذنت وزارة الخارجية الأمريكية بمغادرة طوعية للموظفين غير الأساسيين من سفارة باماكو، وأبقت على مستوى التحذير “لا تسافر”، في خطوة تؤكد تدهور الوضع الأمني العام. كما انضمت دول أوروبية وإفريقية إلى التحذيرات نفسها، وفقاً لتقرير “رويترز” في 26 أكتوبر 2025.

في المقابل، برز اسم الإمام محمود ديكو مُجدداً كصوت ديني وسياسي يدعو إلى حوار وطني شامل. وأشارت “لوموند” في 15 إبريل/نيسان 2025 إلى أن ديكو المقيم في الجزائر يمتلكُ تأثيراً شعبياً كبيراً داخل مالي، وقد يكون أحد المفاتيح القليلة المُتبقية لتهدئة الأزمة واستعادة التوازن بين السلطة والمعارضة.

ثلاثة مسارات خطيرة تُهدد باماكو

  1. فشل إداري وأمني مُزمن: تعجز الحكومة الانتقالية عن تأمين الوقود أو حماية المحاور الحيوية، وتلجأ إلى إجراءات اضطرارية، كتعليق الدراسة وإغلاق الحدود، ما يُفاقم السخط الشعبي ويمنح الجماعات المسلحة فرصةً لتوسيع نموذج “الحوكمة البديلة” في الأطراف.
  2. أمنٌ مرتبط بالذهب: تركيز الفيلق الروسي على حماية المناجم دون غيرها يجعل الأمن الوطني رهيناً بقطاع واحد هش، ويُضعف مناعة مؤسسات الدولة، ويُكرّس التبعية الخارجية.
  3. خطر انتقال المعركة إلى العاصمة: الحصار الجُزئي حول باماكو، وتكتيكات فرض الضرائب والإدارة المحلية جنوباً، يوحيان بمحاولة اختبار قُدرة العاصمة على الصمود، وربما تنفيذ هجمات نوعية لإعادة تشكيل ميزان التفاوض.

بين تحذيرات واشنطن، وصمت باماكو، وواقعية موسكو، تدخل مالي مرحلة “الأمن المُخصخص” حيث تتناقص سلطة الدولة لصالح قوى موازية: جماعات دينية مسلحة، وشركاء أجانب يحمون الذهب لا البشر.

وفي ظلّ تآكل التماسك الإقليمي وانحسار المبادراتِ الإفريقية، تبرزُ الوساطة المدنية كخيار واقعيّ لتخفيف الانسداد، من خلال حوار وطني برعاية شخصيات تحظى بشرعية مجتمعية، مثل الإمام محمود ديكو، وبضمانات إقليمية ودولية.

بيد أنّ استمرار الجمود يُهدّد بتحوّل مالي إلى ساحة تنافس دائم بين القوى الدولية والجماعات المحلية، فهل تمتلك الدولة الوقت لاستعادة معناها قبل أن تتبدّد في فراغٍ أمنيّ شامل؟