تعدّ فهيمة روبيول إحدى الأصوات الأكثر تأثيرا في الشتات الإيراني. كانت مهندسة سابقة في إيران لدى هيئة الطاقة الذرية ومصادر الطاقة البديلة، وهي أيضا خبيرة في إدارة النزاعات. نشرت مؤخرا كتابًا بالفرنسية، تُرجم أيضًا إلى الإنجليزية، بعنوان “امرأة، حياة، حرية. لنتحدث عن ذلك” (منشورات إديليفغ)، تروي فيه جوانب من قصة حياتها، وتقدّم وصفًا معمقًا للمجتمع الإيراني. هو ما تحدثنا عنه في الحوار التالي :
– نشأتِ في عائلة إيرانية متواضعة خلال حكم أسرة بهلوي. كيف تنظرين، مع مرور الوقت، إلى فترة ما قبل الجمهورية الإسلامية؟
– فهيمة روبيول: يوافق عام 2025 الذكرى المئوية لقيام سلالة بهلوي. قبل البهلويين، وفي عهد القاجاريين، كان حال إيران في تخلّف عميق، أذلّتها ثلاثة معاهدات أفقدتها القوقاز وأراضٍ أخرى في آسيا الوسطى ومدينة هرات في أفغانستان. المجاعات والأوبئة حصدت ملايين الأرواح.
في عام 1925، أقال البرلمان القاجاريين ونصّب الأمير رضا بهلوي ملكاً. حكمه العلماني والسيادي حدّث إيران: حظر ارتداء الحجاب، وأرسى مبدأ المساواة بين الجنسين. وحّد البلاد بإلغاء النظام الإقطاعي والقبلي. أما ابنه، محمد رضا شاه، فقد واصل الإصلاحات من خلال «الثورة البيضاء»، إذ وزّع الأراضي على الفلاحين وطور التعليم والصحة والبنى الريفية. عام 1963 مُنحت المرأة حق التصويت، وجاء قانون «حماية الأسرة» ليمنع تعدد الزوجات والطلاق الأحادي بيد الرجل. الشاه سعى إلى تقليص دور الإسلام في الحياة العامة لصالح إبراز الحضارة الفارسية.
وُلدتُ في عائلة متواضعة لم تُظهر فرحاً كبيراً بمجيئي كفتاة، وكان عليّ أن أخوض معارك في كل مرحلة من حياتي: لدراسة العلوم في الثانوية، ثم دخول جامعة طهران لدراسة الفيزياء فالفيزياء النووية، وأخيراً العمل في منظمة الطاقة النووية الإيرانية. لولا تلك الإصلاحات ومجانية التعليم، لما كنتُ لأصل إلى ما وصلت إليه اليوم.
– كيف تمكنتِ كامرأة من فرض نفسك في إيران الملالي؟
أعتُبرتُ «معادية للثورة» وخائنة لأنني تزوجت «الشيطان الصغير»، أي زوجي الفرنسي الذي تعرّض للمضايقات في شوارع طهران، بينما كان الخميني في فرنسا يُصوَّر على أنه الدالاي لاما أو مانديلا أو غاندي. لذلك غادرتُ إيران على عجل بلا أي أفق. عدت إليها بين 2008 و2019 لأُدرّس التفاوض وإدارة النزاعات والقيادة في جامعة طهران أو في مواقع نفطية وبتروكيميائية. حتى أنني أجريت تدقيقاً لمصانع الخميرة. هذه التجارب مكّنتني من لمس واقع المجتمع الإيراني مباشرة، وسط الخوف الدائم من الاعتقال.
– بعد 46 عاماً من الجمهورية الإسلامية، كيف يرى الإيرانيون الإسلام؟
رسمياً، يُشكّل الشيعة الاثنا عشرية 89% من السكان، السنّة 10%، والبقية مسيحيون ويهود وزرادشتيون يتعترف بهم دستور 1979. الإسلام السياسي الشيعي كان خدعة ظهرت حقيقته سريعاً، منذ 8 مارس 1979 حين نشرت الصحف تعليمات الخميني بفرض “التشادور” (الحجاب) على النساء العاملات.
احتجاجات النساء قُمعت بعنف. رغم إنفاق المليارات عبر مؤسسات لترويج الإسلام – مع وجود أكثر من 75 ألف مسجد (أي 55 ضعف عدد المستشفيات وفق بيانات Iran Open Data 2023) – فإن الحماس لهذا الإسلام الأيديولوجي يتراجع. نصف المساجد شبه مهجورة ولا على إمام دائم لها.
– كيف هي الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية بعد «حرب الـ12 يوماً» بين إسرائيل والجمهورية الإسلامية؟
النظام أُضعف تدريجياً منذ 7 أكتوبر 2023 بسبب الضربات الإسرائيلية لـ«محور المقاومة»: حماس، حزب الله، الحوثيون، وفصائل الحشد الشعبي في العراق. المرشد الأعلى الذي اختبأ وراء وكلائه انكشف. الهجمات التي استهدفت قيادة الحرس الثوري، العلماء النوويين، السياسيين، المصانع، مواقع فردو ونطنز، وأنظمة الدفاع الجوي التي حوّلت سماء إيران إلى «طريق سريع بين تل أبيب وطهران»، أضعفته أكثر. المرشد مختبئ، وبعض قادته ينامون في المستشفيات هرباً من الضربات. تبدو البلاد كحركة تمرد أكثر منها دولة.
منذ تلك الحرب، مع اعتقال 21 ألف إيراني بحسب النظام نفسه، وتنفيذ إعدامات سريعة بتهمة التجسس، يضاعف النظام قسوته ليظهر بمظهر المسيطر، في حين أنه في قمة الضعف داخلياً وخارجياً. هدفه منع انفجار ثورة شعبية جديدة.
– كيف تفاعل الإيرانيون مع القصف الإسرائيلي ثم الأمريكي؟
الشعب مقتنع أن هذه ليست حربه، وأن النظام عدوّه، بنظام مافيوي فاسد إجرامي. يعيش الإيرانيون بين ارتياح وقلق. الارتياح: لأن إسرائيل ضربت رأس الدولة و20 قائداً كانوا يقمعون المظاهرات، وكذلك مراكز قيادة الباسيج، وهيئة الإذاعة والتلفزيون الرسمية (ذراع الدعاية)، وقيادة الشرطة (ناجا)، والمركز السيبراني المسؤول عن كاميرات المراقبة لملاحقة النساء غير المحجبات والمعارضين. كثير من الإيرانيين تمنّوا أن تتيح هذه الضربات فرصة لإسقاط النظام.
القلق: أن الحرب كانت حتمية بسبب خطاب طهران بإبادة إسرائيل، لكن المدنيين بلا حماية ولا ملاجئ ولا إنذارات. خامنئي أثبت أنه لا يكترث بدمار إيران ولا بالخسائر البشرية والاقتصادية.
– أنت خبيرة نووية. ما المؤشرات الواقعية على أن إيران ما زالت قادرة على امتلاك القنبلة الذرية؟ وكم يلزمها من الوقت؟ وهل قد تستخدمها ضد إسرائيل؟
منذ كشف مشروعها النووي العسكري عام 2003 جرت مفاوضات عديدة وعمليات تفتيش من الوكالة الدولية للطاقة الذرية. لكن عدد أجهزة الطرد وكفاءتها ارتفع، وكذلك كمية اليورانيوم المخصب. قبل القصف، كان لدى إيران 408,6 كغ من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% وفق الوكالة. الإسرائيليون يقولون إن المخزون نجا من الضربات، لكن لا نعرف عدد أجهزة الطرد التي دُمّرت في فردو ونطنز وأصفهان. كما نجهل مدى تقدم تصنيع الأجزاء غير النووية اللازمة لصنع القنبلة. بعض الخبراء، قدّروا قبل الحرب أن المدة بين أشهر عدة إلى عام. لكن تجربة الصين أظهرت أن طهران ربما قادرة على تصنيع قنبلة خلال 3 إلى 5 أسابيع فقط، إذا بقيت المنشآت سليمة.
– ما العوامل التي تُظهر أن النظام على شفير الهاوية؟ وما الذي يُبقيه قائماً؟
منذ 45 عاماً، استنزف النظام موارد إيران لصالح «محور المقاومة» والمشروع النووي وصناعة الأسلحة، على حساب التنمية. الوضع الاقتصادي كارثي. الشعب يعاني من انقطاعات طويلة للماء والكهرباء، رغم أن إيران لا تمثل سوى 1% من سكان العالم لكنها تملك 12 إلى 15% من موارد الطاقة العالمية! النظام يفقد حلفاءه كالصين وروسيا، والغضب الداخلي يتصاعد. السفينة الإيرانية تترنح، والنظام ينهار من الداخل. لكنه يحاول البقاء حتى نهاية عهد ترامب ونتنياهو، مع السعي للالتفاف على العقوبات، إعادة إنعاش وكلائه المحتضرين، واستئناف برنامج الصواريخ والنووي سراً.
سيناريو آخر محتمل: أن يُطوى ذكر خامنئي في مخبئه، ويعود إصلاحي مثل حسن روحاني إلى الحكم بإصلاحات شبيهة بتجربة غورباتشوف.





