بقلم محرر شؤون الاقتصاد: مصطفى عزيز الهامل
بقلم محرر شؤون الاقتصاد: مصطفى عزيز الهامل

مقالات مشابهة

تحليل اقتصادي

صندوق النقد الدولي : توقعات قاتمة على خلفية تصاعد السياسات الحمائية وتراجع الثقة في آفاق نمو الاقتصاد العالمي

بقلم محرر شؤون الاقتصاد: مصطفى عزيز الهامل
بقلم محرر شؤون الاقتصاد: مصطفى عزيز الهامل

أظهر تقرير حديث لـ “صندوق النقد الدولي”، بخصوص نسب نمو أكبر 20 اقتصاداً عالمياً، تبايناً واضحاً في الأداء بين عامي 2024 و2025، وسط بيئة اقتصادية عالمية مليئة بالتحديات، بما فيها من تراجع التجارة العالمية وتباطؤ الاستثمارات في بعض الأسواق الكبرى.

تباين أداء الاقتصاد العالمي

أظهرت بيانات تقرير صندوق النقد الدولي أن الهند تتصدر أكبر الاقتصادات العالمية نمواً بمعدل 6.6% في 2025، بارتفاع طفيف عن 6.5% في 2024، مدفوعة بالنمو القوي للقطاع الصناعي والخدمات. وجاءت الصين والمغرب ومصر والجزائر وجنوب أفريقيا ضمن الاقتصادات التي سجلت زيادة في معدلات نموها مقارنة بالعام السابق، بينما شهدت فرنسا والولايات المتحدة والبرازيل والمكسيك تباطؤاً نسبياً، حيث انخفض معدل النمو في فرنسا من 1.1% إلى 0.7%، وفي إسبانيا من 3.5% إلى 2.9%، وفي الولايات المتحدة الأمريكية من 2.8% إلى 2%، وفي روسيا من 4.3% |لى 0.6%.

الاقتصاد الإماراتي: الثاني عالميا، الأول عربياً 

جاء اقتصاد الإمارات العربية المتحدة في صدارة النمو في العالم العربي، متقدمة على دول الخليج الأخرى، كما حقق مركزاً عالمياً متقدماً، حيث حلّ ثانياً، بعد الهند، متفوقا على دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا والمملكة المتحدة وكندا، من حيث معدل النمو المتوقع لعام 2025.

يمثل أداء الإمارات نموذجاً استثنائياً على الصعيد العربي، إذ ارتفع معدل نمو الاقتصاد الإماراتي من 4% في 2024 إلى 4.8% في 2025، ليحتل بذلك المركز الأول على مستوى الوطن العربي، مُعزّزاً بالتحولات في القطاعات غير النفطية، وزيادة الإيرادات السياحية، وتوسيع استثمارات الدولة في الابتكار والتحول الرقمي. ويشير هذا الأداء إلى مرونة الاقتصاد الإماراتي وقدرته على الصمود أمام الضغوط العالمية والتقلبات النفطية.

وجاءت المغرب في المركز الثاني بنمو 4.4%، ومصر ثالثة بـ 4.3%، واحتلت كل من المملكة العربية السعودية وموريتانيا المركز الرابع بـ 4%، تلتها الجزائر في المركز الخامس بـ 3.4%، ثم السودان بـ 3.2%، وجاءت كل من قطر وسلطنة ُعمان والبحرين في المركز السابع بنسبة نمو بلغت 2.9%، ثم الأردن ثامنة بنحو 2.7%، تلتها الكويت وتونس بـ 2.6% و2.5% على التوالي، بينا سجل العراق أقل نسبة نمو بـ 0.5%.

آفاق النمو العالمية

رسم تقرير “صندوق النقد الدولي” صورة قاتمة لمستقبل الاقتصاد العالمي، في ظل تصاعد السياسات الحمائية وتنامي حالة عدم اليقين بشأن آفاق النمو. ورغم التراجع الطفيف في معدلات التضخم ببعض الاقتصادات الآسيوية، فإن الضغوط الجيوسياسية، والتغيرات التجارية، وتراجع الهجرة والمعونات الدولية، تهدد جميعها بتباطؤ النمو إلى مستويات أقل من التوقعات السابقة، ما يستدعي، بحسب الصندوق، إعادة معايرة عاجلة للسياسات الاقتصادية الكلية عالمياً.

تباطؤ النمو العالمي

كان صندوق النقد الدولي قد خفض، في تقريره الصادر في أبريل 2025، توقعاته للنمو العالمي بمقدار نصف نقطة مئوية إلى 2.8%، نتيجة صدمات في العرض والطلب ناجمة عن الرسوم الجمركية. ثم عادت التوقعات لترتفع قليلًا إلى 3% في تقرير شهر يوليو، بعد تخفيف بعض القيود التجارية.

لكن بيانات التقرير الأخير تشير إلى بوادر تباطؤ، رغم الانطلاقة القوية للنصف الأول من العام، إذ تبين أن مرونة النمو تعود أساسًا إلى عوامل مؤقتة مثل تسريع وتيرة التجارة قبل تطبيق الرسوم، وليس إلى قوة هيكلية في الاقتصادات.

التضخم والتجارة الدولية

يتوقع الصندوق أن ينخفض معدل التضخم العالمي إلى 4.2% في 2025 و3.7% في 2026، بينما سيتباطأ نمو التجارة العالمية إلى 2.9% في المتوسط خلال 2025–2026، مقارنة بـ 3.5% في 2024. ويُعزى هذا التراجع إلى استمرار حالة التشظي التجاري وضعف الثقة في النظام التجاري متعدد الأطراف.

ويُحذّر التقرير من أن ميزان المخاطر ما زال يميل إلى الاتجاه السلبي، مع احتمال أن تؤدي سياسات الحمائية المفرطة أو القيود على الهجرة إلى إضعاف الاستثمار والإنتاجية. كما قد تؤدي الضغوط المالية وارتفاع تكاليف الاقتراض إلى زيادة هشاشة الأسواق السيادية، فيما يشكل إعادة تسعير مفاجئ لأسهم شركات التكنولوجيا خطراً جديداً على الاستقرار المالي، خاصة إذا خيّبت تطبيقات الذكاء الاصطناعي الآمال المرتفعة المعقودة عليها.

توصيات الصندوق

شدّد “صندوق النقد الدولي” على ضرورة استعادة الثقة في السياسات الاقتصادية عبر الوضوح والشفافية والانضباط المالي، داعيًا الحكومات إلى تحديث القواعد التجارية لتواكب الاقتصاد الرقمي، وتعزيز التعاون متعدد الأطراف، وإطلاق إصلاحات هيكلية تركز على توسيع قاعدة المشاركة في سوق العمل، وتحسين الإنتاجية، وتعبئة الموارد المحلية خاصة في الدول منخفضة الدخل.

كما أوصى الصندوق بضرورة الحفاظ على استقلالية البنوك المركزية لتثبيت توقعات التضخم وضمان استقرار الأسعار، وسنّ سياسات مالية متوسطة الأجل تجمع بين ترشيد الإنفاق وتوليد الإيرادات بطرق مستدامة، مع تجنب الدعم الواسع غير الموجّه.