بقلم يوسف موسى
بقلم يوسف موسى

مقالات مشابهة

تحليل سياسي

زيارة الشرع إلى واشنطن.. مفصل استراتيجي بين الانفتاح السياسي ومكافحة الإرهاب

بقلم يوسف موسى
بقلم يوسف موسى

في لحظة إقليمية تتقاطع فيها الحرب على الإرهاب مع إعادة هندسة التحالفات، تستعد واشنطن لاستقبال الرئيس السوري أحمد الشرع في أول زيارة رسمية من نوعها منذ عقود، في خطوة تعكس تحولاً تدريجياً من القطيعة إلى اختبار شراكة مشروطة بين الطرفين. الزيارة، المقررة في 10 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، تتجاوز البروتوكول الدبلوماسي لتصبح اختباراً سياسياً واستراتيجياً لمدى جدية واشنطن ودمشق في إعادة بناء جسور التواصل.

يأتي هذا الحدث في توقيت بالغ الحساسية، إذ تتزامن الزيارة مع تحولات إقليمية وإعادة تموضع التحالفات، خصوصاً مع تصاعد الحديث عن ضرورة إحياء التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، وربما توسيع مظلته لتشمل التنسيق المباشر مع دمشق في ملفات مكافحة الإرهاب والاستخبارات.

كما تعكس زيارة الشرع، على الصعيد السياسي، اعترافاً ضمنياً بأن مرحلة القطيعة بين واشنطن ودمشق لم تعد مجدية، وأن الانفتاح على الطرف الآخر أصبح ضرورة لضبط الأمن الإقليمي واستقرار المنطقة. وقد اختار الشرع منهجاً دبلوماسياً يسعى خلاله للتواصل مع الغرب دون المساس بعلاقات سوريا التقليدية مع موسكو وطهران، ما يعكس استراتيجية دمشق الجديدة، وتوجيهها رسالة مزدوجة مفادها، الانفتاح على واشنطن من دون القطيعة مع حلفائها التاريخيين.

ملفات حساسة

يُمثّل ملف العقوبات الاقتصادية، وعلى رأسها “قانون قيصر”، محوراً أساسياً في المباحثات المرتقبة. وتختبر دمشق من خلاله استعداد واشنطن لتخفيف الضغط تدريجياً مقابل تعاون أمني واستخباراتي أوسع.

وترى واشنطن في دمشق شريكاً محتملاً في مكافحة الإرهاب، خصوصاً في مواجهة فلول تنظيم داعش المنتشرة في البادية السورية وعلى الحدود العراقية. ويشير محللون إلى أن أي تنسيق مع سوريا ضمن التحالف الدولي ضد التنظيم الإرهابي، حتى لو اقتصر على نطاق استخباري محدود، قد يُعزز قدرة التحالف على استهداف الخلايا النائمة ويقلل الاعتماد الأمريكي على شركاء محليين غير مستقرين شرقيّ الفرات.

في المقابل، تسعى دمشق إلى كسر العزلة الدولية واستعادة الاعتراف بشرعية مؤسساتها، فضلاً عن فتح قنوات مالية وإنسانية جديدة، عبر توظيف ملف مكافحة الإرهاب بوصفه ورقةً تفاوضية تربط الأمن بالاقتصاد والسياسة، تُضاف إلى ملف العقوبات الاقتصادية و”قانون قيصر”. ويؤكد محللون أن أي تقدم في هذا الملف يمكن أن يُمهد الطريق لتخفيف آثار القانون تدريجاً، ما يربط الجانب السياسي بالجانب الأمني والاقتصادي.

تفاهمات إقليمية

فيما يتعلق بالملف السوري–الإسرائيلي، يرى البعض أن زيارة الشرع لن تتطرق مباشرة إلى أي اتفاق أمني مع تل أبيب. فدمشق متمسكة بحقها في الجولان، وأي تحرك من هذا النوع قد يثير توتراً مع حلفائها التقليديين مثل روسيا وإيران. ومن المرجّح أيضاً ألا يكون التنسيق الأمني بين الطرفين لمكافحة داعش والجماعات المسلحة على الحدود الشمالية والجنوبية لسوريا، مباشراً، بل عبر وساطة أمريكية، من دون مشاركة إسرائيلية.

في المقابل، تُمثل تركيا لاعباً إقليمياً مهماً يجب أخذه في الحسبان، خصوصاً في شمال سوريا، وملف مكافحة التنظيمات المسلحة على الحدود. فأي تعاون أمريكي–سوري جديد يجب أن يُراعي مصالح أنقرة ضمن حلف الناتو لضمان استقرار الحدود ومنع تصاعد التوترات. تركيا تراقب خطوات واشنطن تجاه دمشق بعناية، إذ يمكن ألا يُستثمر التنسيق الثلاثي بين هذه الأطراف بشكل موسّع وجيّد، خصوصاً لملاحقة خلايا داعش النائمة والسيطرة على تدفقات المقاتلين والأسلحة، مع الحفاظ على موازين النفوذ الإقليمي.

تحليلات الخبراء وانقسام الرؤى

تباينت تحليلات الخبراء حول مغزى زيارة الشرع ونتائجها المحتملة. يرى فريق من الباحثين أن الزيارة خطوة أولى نحو إعادة إدماج سوريا في النظام الدولي، وبأنها تمثل فرصة لتحسين العلاقات مع واشنطن من دون فقدان دعم الحلفاء التقليديين. فيما يُحذر آخرون من أن الانفتاح الأمريكي على دمشق قد يُفسر على أنه مِنحٌ شرعية مبكرة لنظام لم يُجر إصلاحات فعلية بعد، ويستمر التوقيت السياسي في كونه حساساً بسبب قضايا حقوق الإنسان والمشاركة السياسية.

بين هذا وذاك، تقف سوريا اليوم أمام فرصة حقيقية لتصحيح مسارها بعد عقد من الانهيار، لكن الكرة الآن في ملعبها،  فـ “الحضن الأمريكي الدافئ” للبلاد، من بعد حقبة الأسد، يتجاوز الاقتصاد ليصبح رهاناً على هندسة أمنية جديدة في المشرق العربي. 

من جهة أخرى، يُشكك خبراء في سياسة واشنطن، غير الواضحة بعد، تجاه سوريا، ويعتبرون أي انفتاح غير مشروط تقويضاً لجهود الضغط الدولي على النظام. أما في الأوساط الدبلوماسية الأوروبية، فيسود ترقب حذر، يُؤكد خلاله بعض المسؤولين أن أي تحرك أمريكي يجب أن يتم عبر الأمم المتحدة ومسار القرار 2254، لا عبر قنوات ثنائية مباشرة.

التوازنات الإقليمية وتأثيراتها المحتملة

إقليمياً، تضع هذه الزيارة موسكو وطهران أمام معادلة جديدة، إذ تسعى واشنطن من خلال الانفتاح على دمشق إلى تقليص هامش نفوذ خصومها في سوريا من دون الدخول في مواجهة مباشرة. أما دمشق، فترى في هذه التطورات فرصة لاستثمار التناقضات الكبرى في المنطقة لصالحها، مُستخدمةً الانفتاح الأمريكي لتحسين شروط التفاوض مع الروس والإيرانيين.

بدورها، تنظر دول الخليج إلى الخطوة الأمريكية بارتياح نسبي، خصوصاً إذا رافقها اتفاق على مكافحة تهريب المخدرات، تلك الآفة التي تمسّ الأمن الإقليمي والدولي. ويٌشير محللون إلى أن التعاون مع واشنطن قد يُعيد رسم موازين القوى في المنطقة، ويتيح لدمشق مساحة أكبر للتفاوض حول ملفات سياسية واقتصادية حيوية، بما في ذلك خطوات محتملة لتخفيف آثار “قانون قيصر”.

السيناريوهات المتوقعة لما بعد الزيارة

يتوقع المحللون ثلاثة سيناريوهات رئيسية لما بعد زيارة الشرع:

  1. الأمن الميداني: يُركز على التنسيق الاستخباراتي ضد داعش من دون إعلان شراكة رسمية.
  2. تخفيف تدريجي: يشمل تخفيف العقوبات وفتح قنوات إنسانية مباشرة بإشراف أممي، مع بحث إمكانية تعديل أو إلغاء بعض أحكام “قانون قيصر” تدريجياً.
  3. حدث رمزي: حيث تبقى الزيارة حدثاً إعلامياً رمزياً بلا أثر عملي، إذا لم تُترجم التفاهمات على الأرض.

وبحسب مسؤول أمريكي سابق، فإن “الاختبار الحقيقي لن يكون في الصور الرسمية، بل في مدى استعداد دمشق لتغيير سلوكها الميداني والسياسي، ومقدار التزام واشنطن بتنفيذ خطوات ملموسة تجاه العقوبات الاقتصادية”.

استناداً إلى ما سبق، تُمثل زيارة أحمد الشرع لحظة مفصلية في العلاقات السورية–الأمريكية، تجمع بين الفرصة والريبة، بين أمل شراكة أمنية جديدة وخشية تكرار تجارب الانفتاح المحدودة السابقة. وإذا ما أُدرجت ملفات مكافحة داعش، و”قانون قيصر”، بالإضافة إلى التنسيق الأمني العابر للحدود، ودور تركيا في هذا الإطار، فقد تكون البداية نحو مرحلة مختلفة، عنوانها العودة إلى الواقعية السياسية والأمنية في الشرق الأوسط، مع توقّع أن تحدد النتائج الفعلية قدرة الطرفين على تحويل اللقاء الرمزي إلى خطوات عملية، تعيد رسم موازين النفوذ في المنطقة.

أخيراً، هل يُشكّل الانفتاح الأمريكي على دمشق بداية هندسة أمنية جديدة في العالم العربي، أم مُجرّد هدنة سياسية مؤقتة في صراع النفوذ الإقليمي؟