تحليل سياسي

حماس” في مرمى “خطة ترامب”: بين فقدان النفوذ والبقاء الرمزي

بقلم يوسف موسى
بقلم يوسف موسى

تُعدّ خُطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتسوية الأزمة في غزة بمثابة تَحوّل نوعي في المقاربات الأمريكية حيال الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. فهي لا تسعى فقط إلى وقف فوري للعمليات العسكرية، بل تتجاوز ذلك نحو إعادة هيكلة شاملة للوضع في القطاع، تُقصي حركة المقاومة الإسلامية “حماس” من المشهد السياسي والعسكري، وتُعيد رسم ملامح السُلطة والحكم في القطاع تحت وصاية دولية.

“خُطة ترامب” في جوهرها، تُمثّل مُحاولة لإعادة هندسة الواقع السياسي في غزة عبر أدوات ناعمة: الإعمار، التنمية، والمغريات الاقتصادية. لكنها في الوقت نفسه، تُقصي فصيلاً فاعلاً من دون توافق داخلي، وتُخضع مصير أكثر من مليوني فلسطيني لصفقة دولية مشروطة.

هل تنجح هذه الرؤية في خلق واقع جديد أكثر استقراراً؟ أم تُعيد إنتاج الفشل السابق في مشاريع “الهندسة السياسية” من الخارج؟ الإجابة لا تزال رهن الخيارات الفلسطينية أولاً، والإرادة الدولية ثانياً… والمستقبل لا يُكتب فقط في الغُرف المغلقة، بل على الأرض، في غزة.

ردود متباينة

عربياً، تتباين المواقف بشكل واضح. بعض الدول الخليجية تميل إلى دعم أي مُقترح يُوقف نزيف الدم ويفتح الطريق لإعادة الإعمار، بينما تُبدي دول مثل مصر والأردن تحفظاً واضحاً، خُصوصاً تجاه البنود المُتعلقة بنقل السكان أو إضعاف “حماس” دون بدائل واضحة.

هذا القلق ينبع من إدراك إقليمي بأن أي فراغ في غزة قد يُنتج فوضى أو صراعات داخلية، أو يفتح الباب لتدخلات دولية لا تخدم الاستقرار في المنطقة.

على المستوى الشعبي، تبدو الصورة ضبابية. هناك تعطش حقيقي لدى سكان قطاع غزة لوقف الحرب ونهاية الحصار، لكن القلق يتزايد من أن تتحول الخطة إلى شكل من أشكال “الوصاية الدولية المقنّعة”، تُعيد إنتاج الاحتلال بأساليب غير عسكرية، وتُبقي القرار الفلسطيني مُرتهناً للخارج.

حذر شديد

في الضفة الغربية، يُقابل هذا التوجه بحذر شديد، حيث تنظر بعض الأوساط إلى الخُطة باعتبارها مشروعاً لفصل غزة سياسياً عن المشروع الوطني، وإضعاف الحضور الفلسطيني الموحّد في المعادلة الإقليمية والدولية.

لا تُخفي الخطة نيتها المباشرة في تفكيك سيطرة “حماس” على غزة. فمنذ استلامها إدارة القطاع عام 2007، فَرضت الحركة نفسها كسلطة أمر واقع، تُمارس الحكم وتُدير الملفين الأمني والاجتماعي في ظل حصار مطبق ونزاعات متكررة مع إسرائيل.

الموافقة على الخطة ستعني – عملياً – أن تتخلى حركة “حماس” عن سلاحها، وتنسحب من الفضاء السياسي، وتتحول إلى ما يُشبه “منظمة مجتمعية” أو “تيار ديني” يعمل ضمن شروط النظام الجديد. هذا السيناريو قد يُضعف من قاعدتها الشعبية، لكنه في المُقابل يمنحها فرصة للاستمرار بشكل مُختلف، إذا توفرت لها ضمانات بالحماية وعدم المُلاحقة، وإمكانية الاندماج مستقبلاً في الحياة السياسية المدنية.

تبعات كبيرة

في المقابل، رفض الخطة يحمل معه تبعات كبيرة: استمرار العزلة الدولية، تواصل الضغوط العسكرية، وتفاقم الأزمة الإنسانية في القطاع. بل إن هذا الرفض قد يُستخدم سياسياً لتأليب الرأي العام العالمي ضد الحركة، واتهامها بتقويض فرص السلام.

ولا شكّ أن خطة ترامب لتسوية الأزمة في غزة تحوّل نوعي في المقاربات الأمريكية حيال الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. فهي لا تسعى فقط إلى وقف فوري للعمليات العسكرية، بل تتجاوز ذلك نحو إعادة هيكلة شاملة للوضع في غزة، تُقصي حركة “حماس” من المشهد السياسي والعسكري، وتُعيد رسم ملامح السلطة والحكم في القطاع تحت وصاية دولية.

تطرح الخطة نفسها كفرصة تاريخية لإنهاء الحرب، لكنها تفتقر إلى الآليات التنفيذية القادرة على ضمان نجاحها دون تكلفة سياسية وأمنية عالية. كما أن نجاح هذه الخطة يتوقف على عدة عوامل متشابكة، تكمن في توفر شريك فلسطيني يتمتع بشرعية حقيقية، ووجود ضمانات دولية تضمن حماية السكان والأطراف التي تتخلى عن السلاح، وتوافق إقليمي حول آلية إعادة الإعمار وتوزيع الأدوار وإرادة دولية جادة تُوازن بين الأمن والحرية، وبين تفكيك النزاع وإعادة بناء الثقة.

 كما أن نجاح هذه الخطة لا يتوقف فقط على قبول إسرائيل أو الولايات المتحدة، بل على قدرة المجتمع الدولي على توفير ضمانات حقيقية، وعلى وجود شريك فلسطيني يحظى بشرعية شعبية، وقبل ذلك كله، على قدرة الخطة على الموازنة بين العدالة والسيادة، بين الأمن والحرية، وبين المصالحة والمساءلة.

في نهاية المطاف، “خطة ترامب” قد تكون بذرة لتغيير جذري، أو شرارة لمواجهة جديدة… والكرة لا تزال في ملعب الفصائل الفلسطينية، والداعمين الإقليميين، والرأي العام العربي والدولي.