افتتح الحراك الشبابي في المغرب يومه الاحتجاجي السابع ببيان سياسي طالب الملك محمد السادس بحل الحكومة، فيما اتسعت رقعة المواجهات بين الشرطة والمحتجين، منذرة بمنزلقات عنيفة من شأنها أن تقوّض الطابع السلمي للمظاهرات.
مساء الخميس لم يكن عادياً في حي أكدال التجاري وسط العاصمة المغربية. عشرات الشبان، كثير منهم في بداية العشرينات، رفعوا الأعلام الوطنية وصدحت حناجرهم بشعار بات يتردد في مدن عدة منذ أسبوع: “الشعب يريد الصحة والتعليم”.
المسيرة انتهت في هدوء، لكن ذلك لم يمح من الأذهان الصورة القاتمة التي خلفتها الليلة السابقة، حيث قُتل ثلاثة أشخاص برصاص الدرك في “لقلعة” قرب أكادير، بعدما اتهمتهم السلطات بمحاولة اقتحام مركز أمني لسرقة السلاح.
غضب بدأ من المستشفى
بداية القصة تعود إلى منتصف سبتمبر/أيلول، حين توفيت ثماني نساء حوامل في مستشفى عمومي بأكادير حيث كنّ ينتطرن لإجراء عمليات قيصرية. الحادثة، التي هزت الرأي العام، أطلقت شرارة غضب شعبي، سرعان ما تحول إلى احتجاجات واسعة تقودها مجموعة شبابية تُدعى “GenZ 212”.
المجموعة، التي تأسست في الظل عبر منصة “ديسكورد”، وتضم أكثر من 150 ألف عضو، تصف نفسها بأنها “جيل أحرار” بلا انتماء سياسي، ولا أسماء قيادية ظاهرة.
ست مدن تحت وقع التظاهر
الخميس كان اليوم السادس على التوالي من التعبئة. الرباط، الدار البيضاء، مراكش وأكادير شهدت تجمعات متفرقة، وفي كل مرة يتكرر المشهد ذاته: شباب يهتفون، يرفعون العلم المغربي، ويتعمدون إبراز الطابع السلمي.
قبل ساعات من انطلاق مسيرات هذا اليوم الاحتجاج السادس، نشر “GenZ 212” بياناً على منصاته شدد فيه على “رفض أي عنف أو تخريب” ودعا إلى “الانضباط والتمسك بالطابع السلمي”. لكن ذلك لم يمنع اندلاع مواجهات عنيفة، خصوصاً في سلا وإنزكان، حيث أُحرقت سيارات شرطة ومؤسسات عمومية.
بين السلمية ومنزلقات العنف
الأرقام الرسمية تعكس حجم الاحتقان. ليلة الثلاثاء وحدها، سجلت وزارة الداخلية قرابة 300 جريح، معظمهم من رجال الأمن، واعتقال أكثر من 400 شخص. الأربعاء، ارتفع منسوب العنف، خصوصاً مع انضمام قُصَّر ومجهولين ملثمين للجموع، ما أدى إلى تخريب 80 مؤسسة عامة وخاصة.
“الذين خربوا في سلا لا علاقة لهم بـGenZ 212”، يقول هشام مدني، أحد سكان المدينة، في تصريح لوكالة فرنس برس، مضيفا بأن “هؤلاء مجرد عناصر مندسة وسط شباب خرجوا بصدق من أجل الصحة والتعليم”.
أصوات معارضة للمشاريع الكبرى
المفارقة أن الحراك يتزامن مع استعداد المغرب لتنظيم كأس العالم 2030 إلى جانب إسبانيا والبرتغال. بينما تتسارع أشغال الملاعب والطرق السريعة وخطوط القطار فائق السرعة، يرفع المحتجون شعاراً بسيطاً: “نريد مستشفيات لا ملاعب”.
هذه الهوة بين أولويات الدولة وتطلعات الشباب تبدو جوهر الاحتجاج. بالنسبة إلى كثير من المتظاهرين، الاستثمار في البنية التحتية “التجميلية” لا يعوض غياب تعليم عمومي نوعي ومستشفيات مجهزة بشكل لائق.
شعار “لوفي” في الشارع المغربي
تفصيل آخر كان لافتا، وهو ظهور علم القراصنة المستوحى من مانغا “One Piece”، الذي تحوّل خلال الأسابيع الأخيرة إلى رمز لاحتجاجات الشباب في عدة دول في آسيا وإفريقيا. في الرباط والدار البيضاء، شوهد بعض الشبان يحملون الراية الشهيرة: جمجمة تعتمر قبعة قش، رمز لشخصية “لوفي” التي تقاتل حكومات فاسدة في قصة المانغا المذكورة.
بالنسبة لهؤلاء، الرمز ليس مجرد ثقافة شبابية، بل إعلان صريح أن جيلهم يستمد إلهامه من مخيال عالمي رقمي أكثر من ارتباطه بالشعارات السياسية المحلية.
الحكومة في وضع دفاعي
أمام تصاعد الغضب، بدا الأداء الحكومي مرتبكا: رئيس الحكومة عزيز أخنوش عبّر عن تفهمه لمطالب المحتجين، مؤكدا أن “الحوار ممكن”، فيما أقرّ زير الصحة، أمين تهراوي، أمام البرلمان بأن الإصلاحات القائمة “غير كافية لسد العجز الكبير” في قطاعه. أما وزارة الداخلية فقط لوّحت بعصا القمع، ووصفت المحتجين بـ ”المخربين والبلطجية”.
نداء إلى الملك
في تطور جديد، أصدر “GenZ 212”، في وقت متأخر من ليلة الخميس، بياناً موجهاً إلى الملك محمد السادس، لمطالبته بـ”حل الحكومة”، التي قال البيان إنها فاشلة في حماية الحقوق الدستورية وضمان خدمات الصحة والتعليم.
بهذا، رفع الحراك الشبابي سقف مطالبه من تحسين الخدمات العمومية إلى اشتراك تغيير حكومي، في خطوة تزيد من توتر المشهد.
بين الإصلاح ودوامة العنف
حيال هذه التطوّرات، يقف المغرب أمام معادلة دقيقة: شباب متحرر من الأطر التقليدية، يجمع بين السلمية والتنظيم الرقمي، مقابل سلطة تحاول ضبط الشارع بمزيج من عصا القمع والوعود الإصلاحية. وبين هذا وذاك، يبقى السؤال: هل تنجح السلطات في احتواء الغضب بالحوار والإصلاح الجاد؟ أم تغلّب المقاربات الأمنية التي تُغذّي دوامة القمع والعنف؟

