دخلت الولايات المتحدة صباح الأربعاء 1 أكتوبر 2025 حالة إغلاق حكومي وشلل فيدرالي، بعد أن فشل الجمهوريون والديمقراطيون في الكونغرس في التوصل إلى اتفاق بشأن الموازنة وإقرار سقف الدين والتمديد الجزئي لتمويل الحكومة، وهو ما سيترتّب عليه توقّف العمل في العديد من الدوائر الحكومية والوزارات والوكالات الفيدرالية وسيضع موظفيها في إجازة قسرية.
انقسامات سياسية تشل الاقتصاد
هذا الإغلاق الحكومي هو الأول منذ حوالى 7 سنوات حين شهدت البلاد أطول فترة إغلاق في تاريخها (استمر حينها 35 يوماً)، ويُعد أحد أبرز الملفات الشائكة التي تحولت من خلاف سياسي إلى أزمة مالية تُعطل العمل المؤسسي في الحكومة وتكشف هشاشة التوازنات السياسية والاقتصادية في أكبر اقتصاد عالمي، كما تثير، في الوقت ذاته، القلق في الأسواق الأخرى.
حالت الانقسامات الحزبية العميقة في الشارع الأمريكي دون التوصل إلى اتفاق تمويل، مما أشعل فتيل أزمة طويلة وشاقة. وحذرت الوكالات المالية من أن الإغلاق الحكومي الـ15 منذ عام 1981 من شأنه أن يعيق إصدار تقرير الوظائف لشهر سبتمبر/ أيلول الذي يحظى بمتابعة دقيقة، ويُبطئ حركة السفر الجوي، وُيعلّق البحث العلمي، ويحجب رواتب القوات الأمريكية، فضلا عن تعليق عمل 750 ألف موظف فيدرالي بتكلفة يومية قدرها 400 مليون دولار.
ملف متكرر
يتكرر الإغلاق المالي في الولايات المتحدة الامريكية كلما عجز الكونغرس عن التوصل إلى اتفاق حول هذا الملف الحساس. فعندما يتوقف التمويل الفيدرالي، تتعطّل جزئياً مؤسسات الدولة، ويُحال مئات الآلاف من الموظفين الحكوميين إلى إجازات غير مدفوعة الأجر. وهذا لا يعني فقط خسائر مباشرة في الدخل، بل أيضاً تراجعاً في مستوى الثقة بالقدرة المؤسسية الأمريكية.
الأخطر من ذلك، أن الإغلاق يُعمّق حالة الشك في الأسواق المالية في أمريكا، ويؤثر في مستويات الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري معاً، ما ينعكس مباشرة على النمو. كذلك، تتأثر برامج الدعم الاجتماعي والبحث العلمي والصحة العامة، وهي مجالات تُمثل عصباً حيوياً للاقتصاد المحلي على المدى الطويل.
انعكاسات عالمية
تداعيات الإغلاق الحكومي الأمريكي لا تبقى حبيسة الحدود الأمريكية. فالعالم ينظر إلى الدولار كعملة احتياط أولى، وإلى سندات الخزانة الأمريكية كملاذ آمن. فأي اهتزاز في صورة الالتزام المالي لواشنطن يترك أثره فوراً على أسواق المال العالمية، من تقلبات أسعار العملات إلى اضطراب أسواق السندات. كما ينعكس الغموض السياسي والمالي في الوقت ذاته على أسعار النفط والذهب، إذ يتجه المستثمرون عادة نحو الأصول الأكثر أماناً في أوقات عدم اليقين.
من سيتأثر؟
الإغلاق يرافقه تسريح مؤقت لمئات آلاف الموظفين الفيدراليين للإبقاء فقط على أولئك الذين يعدون أساسيين. وقد رفعت إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، سقف الرهانات هذه المرة، فوجّهت الوكالات بالتفكير في إقالة الموظفين بدلاً من الممارسة المُعتادة المُتمثّلة في تجميد رواتبهم إلى أن يتوصل النواب إلى اتفاق.
سيُطلب من العديد من الموظفين عدم الحضور إلى العمل باستثناء أولئك العاملين في مجالات أساسية مثل مراقبة الحركة الجوية وإنفاذ القانون. وهؤلاء الذين سيبقون في عملهم، لن يحصلوا على رواتبهم إلا بعد انتهاء الإغلاق، ما يعني أن أي إغلاق مطوّل سيُشكّل ضغطاً مالياً عليهم وليس فقط على زملائهم المسرّحين.
وقال الاتحاد الأمريكي لموظفي الحكومة: «إن الحاجة إلى تجنّب إغلاق باتت مُلحّة إلى حد غير مسبوق، لأن الموظفين الفيدراليين لا يمكن أن يكونوا أوراق مُساومة».
مدة الإغلاق؟
لا يُمكن التنبؤ بمدة الإغلاق، في الوقت الذي يُرجح فيه أن تتصاعد الضغوط من أجل إعادة الفتح إذا استمرت حالة الشلل أسبوعين، إذ إن الأمر سيُهدد بعدم دفع الرواتب على اعتبار أن هذه هي دورة الأجور المعتادة في الولايات المتحدة. وكانت هناك العديد من الإغلاقات في الماضي استمرت لأكثر من يوم عمل. وخلال ولاية ترامب الأولى، استمر الإغلاق 35 يوماً بين ديسمبر 2018 ويناير 2019.
معضلة بنيوية
الأزمة ليست طارئة بقدر ما هي انعكاس لمعركة سياسية بنيوية بين الحزبين الرئيسيين (الجمهوري والديمقراطي) في الولايات المتحدة، حيث تتحوّل الموازنة إلى ورقة ضغط انتخابية. هذه المعضلة تضع أكبر اقتصاد في العالم أمام مشهد عبثي: دولة تملك القدرة على التمويل بلا حدود تقريباً، لكنها تقف على حافة العجز بسبب خلافات حزبية.
الإغلاق المالي الأمريكي لم يعد مُجرد ملف داخلي، بل أزمة ذات ارتدادات عالمية. وفي وقت يواجه الاقتصاد الدولي تحديات متعددة، من تباطؤ النمو إلى التضخم، فإن أي اهتزاز في واشنطن يُضاعف المخاطر ويعمّق حالة عدم اليقين.
بعبارة أخرى، الصراع السياسي الأمريكي يفرض “ضريبة” غير مباشرة على الاقتصاد العالمي، ليُثبت مرة أخرى بأنه، في الاقتصاد كما في السياسة وغيرها من المجالات الحيوية، ما يحدث في واشنطن لا يبقى في واشنطن!















