تحليل سياسي

ترامب يهدّد بعمل عسكري ضد الإرهاب في نيجيريا، ومطالب بتدخل غربي لصدّ الجهاديين في باماكو

بقلم محرر الشؤون الإفريقية: على مهاجر
بقلم محرر الشؤون الإفريقية: على مهاجر

في تصريح لافت يعيد الحضور الأمريكي إلى المشهد الأمني في إفريقيا، هدّد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتنفيذ عمل عسكري في نيجيريا لحماية المسيحيين من الهجمات الإرهابية المتزايدة. وجاء كلامه في وقت تشهد فيه منطقة الساحل الإفريقي تصاعداً غير مسبوق في نشاط الجماعات المتطرفة، منذ انسحاب القوات الأمريكية والفرنسية العام الماضي.

الرئيس ترامب قال إنه وجّه البنتاغون للتخطيط لاحتمال تنفيذ عمل عسكري في نيجيريا، متهماً الحكومة هناك بـ”الفشل في كبح اضطهاد المسيحيين”. كما توعّد الرئيس بوقف فوري للمساعدات الأمريكية إلى أبوجا، في إشارة إلى مراجعة شاملة للسياسة الأمريكية تجاه أكبر دولة إفريقية من حيث عدد السكان، مع نحو 220 مليون نسمة، يتوزعون بالتساوي تقريباً بين مسلمين ومسيحيين. 

وتشهد البلاد منذ سنوات هجمات متكررة من جماعة “بوكو حرام” المتطرفة، التي تستهدف مسلمين ومسيحيين على حد سواء، في إطار سعيها لفرض تفسيرها الخاص للشريعة الإسلامية.

صعود غير مسبوق

تزامنت تهديدات ترامب مع توسع العمليات الإرهابية في منطقة غرب إفريقيا، خصوصاً بعد انسحاب القوات الأمريكية من النيجر مطلع عام 2024. إذ شهدت كل من مالي والنيجر وبوركينا فاسو ونيجيريا، تصاعداً ملحوظاً في هجمات الجماعات المسلحة بعد انتهاء الدور الأممي الذي كان يحدّ من تمددها لسنوات. 

وأعلنت جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” (المرتبطة بتنظيم “القاعدة”) لأول مرة مسؤوليتها عن هجوم داخل الأراضي النيجيرية قرب الحدود مع بنين، ما يعكس التمدد الجغرافي الخطير للتنظيمات خارج النطاق التقليدي لنشاطاتها في الساحل.

ضعف الحكومات الانقلابية

تنشط هذه الجماعات على طول شريط الساحل بدءاً من بحيرات تشاد شرقاً، وحتى حدود مالي مع السنغال غرباً، مُستغلة ضعف الحكومات العسكرية الانقلابية في المنطقة، وتوقف أعمال المراقبة التي كانت القوات الأمريكية تضطلع بها عبر قواعدها في النيجر قبل انسحابها.

منذ أسابيع، وبعد حصار مُحكم لتنظيم القاعدة على العاصمة المالية باماكو، ظهرت دعوات تنادي بضرورة تدخل غربي في منطقة الساحل الآخذة في التآكل، بعد أن توسعت عمليات التنظيمات الإرهابية نحو ساحل غينيا، مُخترقة كل الحواجز الأمنية والطبيعية نحو الخليج المنعزل.

على الأرض، تنشط “بوكو حرام”، التي بايعت تنظيم داعش، على مناطق واسعة تبدأ من منطقة البحيرات في تشاد وصولاً إلى شمال ووسط نيجيريا إلى حدود النيجر، فيما يهيمن تنظيم القاعدة المنافس، بمختلف فروعه، على معظم المناطق المتوترة أمنيا في شمال وغرب مالي، وعلى مناطق واسعة في بوركينا فاسو.

مثلث “ليبتاكو غورما” 

تُعدّ منطقة “ليبتاكو غورما” بين حدود بوركينا فاسو ومالي والنيجر، المركز الجغرافي الأخطر في الساحل، إذ تتقاسم الجماعات الإرهابية السيطرة عليها. وتتميّز المنطقة بمواردها الغنية وممراتها الوعرة، ما يجعلها مركزاً مثالياً لعمليات الكرّ والفرّ، والتهريب، والتمويل غير المشروع.

تهديدات الرئيس الأمريكي أشعلت الجدل مجدداً حول ضرورة عودة الغرب إلى المواجهة العسكرية ضد الإرهاب في الساحل، وذلك بعد سنوات من التراجع والانكفاء. غير أن كثيرين يرون أن أي تدخل أمريكي محتمل في نيجيريا سيكون مقدمة لإعادة تموضع أوسع في المنطقة، تبدأ من أبوجا وتمتد إلى باماكو، حيث تلوح ملامح انهيار أمني شامل.

تصريحات ترامب تطرح أيضاً علامات استفهام عدّة حول مدى استعداد واشنطن فعليا لعودة “المطرقة الأمريكية” إلى قلب إفريقيا، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون اختباراً دبلوماسياً لردود أفعال حكومات الساحل المنهكة أمنياً وسياسياً.