بقلم محرر الشؤون الإفريقية: على مهاجر
بقلم محرر الشؤون الإفريقية: على مهاجر

مقالات مشابهة

تقرير ميداني

باماكو على وشك السقوط بأيدي الجهاديين.. نهاية “اللحظة الروسية” في الساحل الإفريقي

بقلم محرر الشؤون الإفريقية: على مهاجر
بقلم محرر الشؤون الإفريقية: على مهاجر

“أين روسيا”، هذا هو السؤال الذي بدأ يتبادر إلى أذهان المحللين في دول الساحل الأفريقي، خاصة في مالي التي تحاصر “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” (القاعدة) عاصمتها باماكو، منذ أسابيع، حتى أصبحت مشلولة دون حراك، بعد أن نضب منها الوقود وتوقف فيها هدير محركات السيارات وآلاف الدراجات النارية التي كانت سمة ظاهرة فيها.

منذ بداية الحصار المضروب على باماكو في أواخر أكتوبر 2025، نجح الفيلق الروسي في مالي في تأمين وصول 1,000 شاحنة وقود إلى باماكو، مما أعاد بعض الاستقرار المؤقت، لكن الحصار مستمر في مناطق أخرى غرب وجنوب البلاد، منذ أصدرت “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” (JNIM) – فرع تنظيم “القاعدة” في الساحل الإفريقي – تحذيرات للسكان بعدم مساعدة الجيش.

الفشل الروسي يُظهر حدود نفوذ موسكو وقدراتها في الساحل، بعد أن باتت التنظيمات الإرهابية تهدد قلب العاصمة منذ أسابيع، من دون إظهار أي قدرات عسكرية لصدها أو طردها. بل إن الأزمة أظهرت دعوات صريحة لإجراء مفاوضات مباشرة مع “جماعة النصرة” لإنقاذ الجيش وحليفته روسيا من هزيمة مذلّة، بعد فشل الاستراتيجية الروسية في المنطقة، حيث أدى الاعتماد عليها إلى تفاقم الأزمة بدلاً من حلها. 

أسباب الفشل الروسي

يرجع الفشل الروسي لعدة أسباب لوجيستية، أهمها قلة العدد وتشتت القوات البالغ عددها نحو 1,500 مقاتل لا يكفون لتغطية جبهات متعددة، إضافة إلى استراتيجية غير متكيفة، تعتمد على دبابات ثقيلة ضد دراجات نارية وخلايا متنقلة.

فضلا عن ذلك، فإن القوات الروسية لها سجلّ أسود من الانتهاكات الحقوقية والمجازر التي وثقتها الأمم المتحدة، مثل (مجزرة مورا، 2022)، وغيرها من الجرائم التي دفعت بكثيرين من أبناء المجتمعات الرعوية اليائسة في مالي إلى صفوف تنظيم “نصرة الإسلام والمسلمين”. إضافة إلى توترات داخلية بعد اعتقال ضباط ماليين بسبب خلافات مع الروس (أغسطس 2025)، وخسائر متتالية قتل فيها 84 روسياً في تينزاواتن (يوليو 2024)، وسقوط طائرة Su-24 يونيو 2025.

السقوط الوشيك للعاصمة المالية باماكو في يد “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” أو انهيار النظام العسكري من دون بديل، لن يكون مجرد خسارة عسكرية محلية، بل كارثة استراتيجية شاملة للمشروع الروسي في أفريقيا، الذي بنى سمعته على ركائز واضحة، أهمها الدعم العسكري للأنظمة الضعيفة (مالي، بوركينا فاسو، النيجر، جمهورية أفريقيا الوسطى). مقابل الاستغلال الاقتصادي للمعادن (ذهب، ألماس، يورانيوم).

السيناريو المتوقع:

إذا سقطت باماكو، فإن روسيا ستفقد الساحل بأكمله خلال 18 شهراً حسب “جوزيف سيجل”، مدير الأبحاث في مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية (Africa Center، أكتوبر 2025). نظرا لكون مالي هي النموذج المركزي للاستراتيجية الروسية بعد انسحاب فرنسا (2022)، فإن سقوطها سيجعل الثقة تنهار في الفيلق الأفريقي في بوركينا فاسو والنيجر، فالأولى (حيث يوجد 300 روسي) قد تعيد التفكير في الشراكة بحلول 2026. أما النيجر (بعد انقلاب 2023) قد تعيد فتح قنوات مع الغرب أو الصين.

مالي تدر 15-20% من إيرادات الذهب الروسي غير الرسمي في أفريقيا (حوالي 2-3 مليارات دولار سنوياً عبر شبكات فاغنر/الفيلق). سقوط النظام يعني فقدان الامتيازات في 4 مناجم رئيسية (مثل منجم كوديران في كايس)، ما سينعكس على انخفاض التمويل الذاتي للفيلق الروسي.

حسب تحليل لمعهد الدراسات الأمنية الأفريقية ISS Africa (نوفمبر 2025)، فإن “الروس باعوا الأمن، لكنهم فشلوا في تسليمه. الصين تبيع البنية التحتية، وتركيا تبيع الطائرات بدون طيار – وكلاهما أكثر جاذبية الآن”. وهذا ما يجعل روسيا أمام فرصة وحيدة لاستعادة نفوذها: التكيف أو الموت. أي أن تتحول إلى نموذج مشابه للصين، فتستثمر في البنية التحتية والتدريب الأمني طويل الأمد، أو أن تنسج شراكات سياسية واقتصادية، على غرار تركيا، لتقاسم النفوذ في الساحل.

روسيا حسب محللين لن تختفي تماما، لكنها ستصبح لاعبا ثانويا في القارة، محصورا في قواعد ليبية ومشاريع ذهب في أفريقيا الوسطى، فيما ستملأ الصين وتركيا والدول الغربية الفراغ التنموي والأمني والدبلوماسي. 

والدرس المرّ من تجربة التحالف مع روسيا في دول ألاسكا الأفريقي: الدبابات لا تبني دولاً، والدعاية لا تكفي لحماية أنظمة مرفوضة من قبل شعوبها.