يبدو اتفاق وقف إطلاق النار بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية خطوةً تحمل في طياتها أكثر مما تُظهره التصريحات الرسمية. فبين مساعٍ لاحتواء التصعيد الميداني وضغوطٍ دولية لإعادة فتح مسار التسوية، يقف الاتفاق على أرضية هشة تتهددها الخلافات العميقة حول النفوذ والموارد. ومع غياب الضمانات الواضحة، يبقى التساؤل مفتوحاً: هل ما جرى في دمشق هو بداية لتفاهم مستدام، أم مجرد هدنة عابرة تُؤجل الانفجار القادم؟
بين الميدان والدبلوماسية
أعلن وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة، الثلاثاء 7 أكتوبر، التوصل إلى اتفاق شامل وفوري لوقف إطلاق النار بين الجيش السوري وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، شمال وشرق البلاد.
جاء ذلك غداة لقاء جمع قائد قوات سوريا الديموقراطية مظلوم عبدي مع الرئيس السوري أحمد الشرع في دمشق، بحضور المبعوث الأمريكي إلى سوريا توماس باراك، وقائد القوات المركزية الأمريكية براد كوبر.
وكتب أبو قصرة في منشور على منصة “إكس”: “التقيت قبل قليل بالسيد مظلوم عبدي في العاصمة دمشق واتفقنا على وقفٍ شاملٍ وفوري لإطلاق النار بكافة المحاور ونقاط الانتشار العسكرية شمال وشمال شرق سوريا”.
“قسد” في قلب المعادلة
قسد، التي تُشكّل القوات الكردية عمودها الفقري، تسيطر على نحو ثُلث مساحة سوريا، في منطقة تحوي حقول نفطية وسدوداً إستراتيجية. وفي 10 مارس/آذار الماضي، وقّع مظلوم عبدي، زعيم التنظيم، والرئيس السوري أحمد الشرع اتفاقاً في دمشق، يقضي بتسليم المعابر والحقول النفطية التي تسيطر عليها قسد، والانخراط في مؤسسات الدولة، لكن تنفيذ الاتفاق تعثّر. ليزور بعدها توماس باراك منطقة شمال شرقي سوريا برفقة قائد القوات المركزية الأمريكية، لإجراء ما وصفه بـ “محادثات جوهرية” مع مظلوم عبدي وقادة آخرين، دعماً لجهود التسوية وفتح مسارات السلام في سوريا، مع تأكيد التزام واشنطن بتقديم الموارد لتحقيق الاستقرار.
خلفيات التصعيد
قبل الإعلان الأخير، أصدرت وزارة الدفاع السورية بياناً يشير إلى انتشار وحدات عسكرية على جبهات التماس مع “قسد” في الشمال الشرقي، على خلفية تصاعد الهجمات المتبادلة، التي وصفتها الوكالة السورية للأنباء “سانا” بالاعتداءات المتكررة التي تستهدف المدنيين والجيش في محاولة للسيطرة على نقاط وقرى جديدة. كما أكدت الوكالة نقلاً عن إدارة الإعلام والاتصال في وزارة الدفاع التزام الأخيرة باتفاق 10 مارس/آذار، الذي يهدف إلى لملمة شتات بلد مزقته حرب أهلية استمرت 14 عاماً، ويمهد الطريق أمام القوات التي يقودها الأكراد للاندماج مع دمشق.
خلال الفترة الأخيرة، شهدت مناطق التماس بين الجيش السوري و”قسد” اشتباكات متفرقة، على غرار محيط قرية تل ماعز شرق حلب، حيث اتهم كل طرف الآخر بالتصعيد.
وفي أغسطس/آب الماضي، تبادلت الأطراف اتهامات بمهاجمة مواقع في ريف منبج، ما أسفر عن سقوط ضحايا مدنيين وعسكريين. ليتأخر تنفيذ اتفاق مارس، مما شكّل أزمة ثقة بين الأطراف، قد تمتدّ انعكاساتها لتعرّض الهدنة الجديدة للخطر إذا لم تُترجم سريعاً إلى خطوات عملية.
غياب الضمانات
بموجب الاتفاق المعلن، تُمنح سوريا فرصة مؤقتة لتهدئة المسار العسكري بين الحكومة و”قسد”، بمساندة أمريكية. لكن هذا الاتفاق يبقى هشّاً، فغياب ضمانات تنفيذية، واستمرار الخلافات حول التقسيم الإداري والموارد، وتداخل المصالح الخارجية، كلها عوامل قادرة على إعادة التصعيد في أي لحظة.
وستكشف المرحلة المقبلة إن كان هذا الاتفاق بداية لبناء ثقة فعليّة، أم مجرد تهدئة موقوتة قابلة للتفجير في أي لحظة، في خضم التوترات التي تعصف بسوريا الجديدة.






